فيكذب به من أجل هذا، وقيل إن معناه: ولم يطلعوا على عاقبه، ومثاله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ... (٤٢) .. ابن عرفة: إن قلت: ما السر في جمع ضمير المستمعين وإفراد ضمير الناظر؟
فالجواب: أن الاستماع يقع من الجهات الأربع، والنظر إنما يكون من جهة الأمام فقط، فخلقت العجائب مع كلامه، فيها كل من دار به لَا ينظر إلى أفعاله إلا من هو قبالته، فالسامعون لكلامه أكثر من الناظرين فنقله فكذلك جمعهم.
فإن قلت: لم أفرد السمع وجمع الأبصار مع أن متعلق السمع أكثر؟ فقال: لأن السمع مصدر يقع على القليل والكثير من جنسه فلا يجمع، والبصر اسم [الجارجة*] التي يبصر بها فصح جمعه.
قوله تعالى:(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ).
قال ابن عرفة: هذا استفهام على سبيل الإنكار فهو في معنى النهي، كقولك (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) قال: ولو إنما تدخل على ما تستبعد وقوعه، أو تستقرب؛ كقولك: أكرم السائل ولو أتاك على فرس؛ لأن إكرامه إذا أتى على فرس مستبعد، ونفي إسماع غير العقلاء أظهروا بين مما نفي سماع الصم العقلاء، فكيف أدخل عليه لو؛ فإنما كان يقال: أفأنت تسمع من يعقل ولو كان أصم فيكون ظاهرا؟ وأجيب بوجهين:
الأول: أنه تنبيه على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إسماعهم وإيمانهم.
الثاني: أن لو إنما دخلت في الكلام المثبت غير المنفي، ودخل الاستفهام بعد ذلك على الجملة فهو نفي أخص لَا نفي أعم، فأصله أنت تسمع ولو كانوا لَا يعقلون، فدخل الاستفهام عليه فنفى الجملة، كقولك: ما ضربت زيدا ضربا، فنفيت الفعل المولد. لأنك أكدت الفعل المنفي، كقولك: أفأنت تقوم ولو كنت مقعدا، أنكرت قيامه في هذه الحالة كما نفيت الضرب المولد، وكذلك تقول: أفأنت تكرم زيدا وإن أساء إليك، أنكرت إكرامه في هذه الحالة فأنكر هنا إسماع الصم في حالة عدم العقل.
انظر ما الفرق بين هذه، وبين قوله في سورة القتال (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) عطف الثاني هناك بـ إما وعطفه هنا بـ أو، قال: وأجيب بأن إما [للتفصيل*]؛ فتدخل بين المتغايرين وإن لم يكونا متناقضين، وأو لأخذ الشيئين أو الأشياء فتدخل بين النقيضين، ولا شك أن المن والفداء يجتمعان