بالباطل على ما فسروه، لأن الكافر قد يلبس بخلط التوراة بغيرها، وقد لَا يفعل ذلك، وإلباس الحق بالباطل أخص؛ لأنه كفر بلا شك.
قال ابن عرفة: وتقدم لنا الجواب: بأن مقام الذم يقصد فيه الإطناب والمبالغة، لأنه يقتضي تكرار الذم بعد أخرى، فذموا على إلباس الحق بالباطل، بالمطابقة وباللزوم وهذا أبلغ في الذم قصدا للتغيير على الكفر، والإبعاد.
لما تضمن الكلام السابق ذمهم على الكفر وإلباس الحق بالباطل، عقبه بيان بعض الجزئيات الذي لبسوا فيها الحق بالباطل، وهذه الآية إن كانت نزلت بعد الآية المتقدمة بمهملة وتراخ، فذكر أهل الكتاب فيها بلفظ الظاهر دون [المضمر*]، وإن كانت نزلت عقبيها فكان الأصل أن يعبر فيها عن أهل الكتاب، بالمضمر لتقدم ذكرهم، لكن قالوا الحكمة في تكرار الاسم بلفظ الظاهر دون المضمر وجهان: إما التعظيم والتفخيم، كقوله: لَا أرى الموت ذا الغناء والفقير، وإما للتخفيف مبالغة في الذم؛ لأن الضمير كلي والظاهر جزئي فأعيد بلفظه تحقيقا لوقوع هذه المقالة الذميمة الخبيثة منهم والقول، إما من الرؤساء للعوام، أو من بعضهم لبعض.
قال ابن عطية: إن (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) جملة اعتراض، وهذا صعب وأكثر ما يكون ذلك حيث يكون المتكلم بذلك كله شخصا واحدا، وهذان الجملتان من كلام شخص، والجملة المعترضة بينهما من كلام غيره فيحتاج إلى دعامة.
ابن عرفة: ومنهم من قال: إن الأخيرة من كلامهم على إضمار، أي فعلنا ذلك أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم استفهاما ما في معنى النفي، بدليل قراءة ابن كثير أن يؤتي بالمدلات أن إرادة الاستفهام كثيرا تحذف، وبدليل لفظه أحد وهي لَا يستعمل إلا في النفي فالكلام، تم عند قوله:(قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) جملة اعتراض، ثم قال: هل (يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) يا أمة محمد بل الهدى الذي أوتيتموه، لم يؤته أحد من الأمم قبلكم، وهيهات أن يكون لهم حجة عليكم عند ربكم بأن يقولوا: أوتينا ما لم يؤتوه، ولا يكون ذلك موجه وفي كلام المعربين إشارة إلى هذا.