الزمخشري: زعم من لَا يرى للجن ثوابا أن الله تعالى توعد القاسط بالعقاب، وما. وعد مسلميهم بالثواب، وكفى بقوله تعالى:(فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا)[فذكر سبب*] الثواب وموجبه، والله أعدل من أن يعاقب القاسط، ولا يثبت الراشد، انتهى، وجوب ثواب الراشد عنده عقلا، وعندنا نحن شرعا، فإن قلت: ورد في الشرع ثواب الطائعين من الإنس ولم يرد ثواب الجن؟ قلت: هذه المسألة في أسئلة المازري سئل هل الجن مكلفون يثابون أو لَا؟ وأجاب بأنهم مكلفون بالطاعة ومثابون عليها، وكذا قال ابن عطية القضاعي في موازنة الأعمال، ويحتمل أن تكون الآية من حذف التقابل؛ أي (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) وكانوا منعمين في الجنة، (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ .. (١٥) فأولئك أساءوا وأجرموا (فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا).
فسر بوجهين: إما أن المعنى لو أطاعوا وتمادوا على الطاعة لَأَسْقَيْنَاهُمْ، أو المراد لو عصوا وتمادوا على طريقة العصيان لَأَسْقَيْنَاهُمْ، وأعاد ابن عطية الضمير في استقاموا على الإنس، وأعاده الزمخشري على الجن، ورجح الفخر الأول لقوله (لَأَسْقَيْنَاهُمْ) والجن لَا يسقون، وإنما يتم له ذلك على مذهب من يقول عنهم روحانيون لَا يأكلون ولا يشربون، ومذهبنا نحن أنهم أجسام، يجوز أكلهم وشربهم، كما ورد في الحديث. فإن قلت: يترجح أن المراد بالاستقامة الطاعة كون الألف واللام في الطريقة للعهد، فالمراد طريق الحق؟ قلت: الطريقتان معهودتان، لقوله (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ)، وقال (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ)، وإنَّمَا [يترجح كون المراد بالاستقامة*] الطاعة المتعدية بـ على المقتضية للاستيلاء والاستعلاء، فإِن قلت: يحتمل أن يكون المعنى: لو استقام الخلق كلهم على الطاعة لأسقيناهم ماء غدقا، يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم، كما ورد في الحديث:"لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، [وَلَجَاءَ*] بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ"، قلت: هذا لم يقله أحد، ويلزم عليه جعل الاستقامة سببا في الذنب، فإِن قلت: جعل الاستقامة وهي الطاعة على أحد [التقديرين*] سببا في السقيا، والسقيا سببا في الفتنة، فهي سبب السبب، مشكل إذ لَا يعقل كون الطاعة سببا في [الذنب، وفي الطاعة*]؛ لأن فيه تحصيل الحاصل، قلت: هي سبب؛ لأن بعض المسلمين يرتد عن دينه، ولا يدوم على الإسلام.