للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجزاء سعيه، لأن كل موجود عندنا يصح أن يرى، فيرى ذاته وصفاتها وعملها الذي كانت تعمل في الدنيا، وجزاؤه.

قوله تعالى: {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (٤١)}

[الأوفي عام*] في الثواب والعقاب، فيجب تخصيصه عندنا [بالمشيئة، أي إن شاء، لأن العاصي عندنا في المشيئة*]؛ خلافا لمن يقول: بوجوب إنفاذ الوعيد.

قوله تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)}

تقديم المجرور للاهتمام وللحصر لحصوله مع عدم تقديمه، لأن ابن هشام في شرح الإيضاح وغيره: نصوا على أن المبتدأ لَا يكون إلا أخص من الخبر، أو مساويا له، ويكون أعم منه بوجه، ولذلك قالوا في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"، أن التكبير مبتدأ وتحليلها خبره، لأنه أعم منه، والمنتهى هنا ليس إلا [لله*] ولا يتوهم أنه لغيره، وهو أخص أو مساو فهو المبتدأ أو المبتدأ انحصر في الخبر، وذكروا الخلاف في المضمرات، هل هي كلية أو جزئية، واختاروا أن ضمير المتكلم والمخاطب جزئيان، قال ابن مالك: فإن أريد بالمضمر الشيوع، أو كان الكلام يدل عليه، فهو كلي. انتهى، وبهذا [فإنه*] يصلح أن يقال: الكل مخاطب (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى)، واستعمال لفظ الرب هنا تغليبا لجانب الرحمة والإحسان.

قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣)}

هذا وما بعده تفسير، لقوله (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى)، لأن ذلك لما تضمن افتقار الجميع إليه بيَّن أحوال المفتقرين العارضة لهم، وهي إما خاصة كالضحك والبكاء، وعرض عام كالموت والإحياء، أو لازم للماهية كالخلق المخلوق، ما دام مخلوقا، وقدم الضحك تغليبا لجانب الرحمة، ويحتمل أن يريد بالضحك والبكاء حقيقتهما، ومطلق [الحزن*] من باب حالة الالتزام أو هو مجاز على سبيل الاستعارة، الزمخشري: أي خلق القوة على الضحك والبكاء انتهى، إن قلت: هذا اعتزال بناء على مذهبه، في أن العبد يخلق أفعاله، وهو يوافقنا في الداعي أنه خلق الله، قلت: عادة الشيوخ أنهم [لا*] يحملون على الاعتزال، إلا ما منع فيه، وأما المحتمل الذي يوجهه السني على مذهبه والمعتزل على مذهبه، فلا، وهذا منه، بل فسر الزمخشري أولى، لأن الآية حينئذ تكون عامة تتناول ما إذا كان الإنسان غير ضاحك ولا باك، ووجود الضحك عند التعجب، والبكاء عند الحزن، [فنقول نحن*]: إنه أمر عادي خلقه الله تعالى عند ذلك لَا به، وتقول المعتزلة: إنه أمر عادي من قبل العبد وطبعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>