ذكر الحسنة والمصيبة تقليلا إشارة إلى تأثرهم لأدنى شيء من ذلك، ولذلك عبر بإن دون إذا؛ إشارة لها ولم تكن محققة، وقدم الحسنة لأن فعبر [ ... ]. الحسنة حصلت لعدوه أشد من فرحته لمصيبة نزلت به؛ لأن رفع المؤلم آكد من جلب الملائم، فإن قلت: لم جعل الحسنة موجبة لوصف واحد، والمصيبة لوصفين؟ قلنا: لأن الإنسان إذا علم بحسنة نالت عدوه فإنه يتألم لذلك ويخفيه، وإذا علم بمصيبة نالت عدوه فإنه يفرح لذلك ويظهر للناس تشفيا فيه، فإن قلت: أصل الحال أن يكون تقريره، فهلا قال: وتولوا فرحين، قلنا: إشارة إلى ملازمة فرحهم كقولهم: من أوله إلى آخره؛ لأن جاء زيد ضاحكا أبلغ من جاء زيد ضحك.
إن قلت: لم أتى في الأول بأداة الحصر دون الثاني، فالجواب: أن الحصر في الأول وإن لم يؤت به في الثاني؛ لأن حالهم غير منحصر في أن يصيبهم العذاب، إذ قد يقولوا: فلا يصيبهم العذاب بوجه، فإن قلت: لم عدل من صريح النفي إلي مجازه المستفاد من الاستفهام؟ قلنا: لأن الاستفهام يقتضي الموافقة، إذ لَا يقول: هل زيد إلا قائم إلا من يعلم أنه يوافقك، فإن قلت: لم وصف حالتي المؤمنين [بالحسنيين، وعين*] حالتي حال المنافقين ولم يصفهما بالسوأتين؟ فالجواب: أن المنافقين كانوا يزعمون أن موت أحد المؤمنين ليس بحسن، وكذلك ظفرهم بالمؤمنين، فعبر عن هذين الوصفين الأخيرين بالحسنيين، ولما كان [نفس*] الوصفين الأخيرين [غير*] قبيحين عند المنافقين لم يحتج إلى وصفها [بالقبيحين*] اكتفاء بنفيهما.