وفي سورة النحل (مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ)، والجواب: أن هذه الآية سيقت للتذكير بالنعمة، فناسب وصف الرحمة، وآية النحل سيقت لبيان الألوهية وكمال القدرة والاختراع، فناسب لفظ الله الدال على الذات المعظمة، لأنه تقدمها (أَخرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمَّهَاِتكُم)، تعقبها بقوله تعالى:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، وهذه الآية تدل على وحدانية للصانع من جهة حصر الإمساك فيه، [وجمع الآيات*] المراد به الكثرة [فقال (مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ)، لكنه إشارة، فكان الأصل أن يعاد عليه ضمير الكثرة فقال (مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ)، لكنه إشارة إلى أن أقل شيء منه يرشد الناظر إليه إلى الاهتداء، أو أن الناظر لَا ينظر إلا إلى بعضه، لَا إلى كله، واستدلال الفخر لأهل السنة في أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى ضعيف؛ لأن الإمساك ليس من قدرة الطير، [ولا من فعله، ولا يخالف فيه أحد*]، وإنما من فعله قبض جناحيه وبسطها، فلو قيل: ما يبسطهن ويقبضهن إلا الرحمن لصح له الاستدلال بها.
قوله تعالى:(إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ).
تفسير الفخر بعليم خطأ، لأن أهل السنة يفرقرن بين صفة العلم وصفة البصر، فإِن قلت: المناسب هنا العلم والقدرة لَا البصر، قلت: وجه المناسبة أن الإنسان لَا يبصر كل الطير، وإنما بعضها، فأشار إلى أن الله تعالى بصير بجميعها، والمراد بلفظة شيء هنا الموجود، لأن المعدوم [لَا يبصر*].
المشار إليه هنا مقدار الوجود، والمعنى أن تكذيبهم بالآيات وعدم الالتفات إليها إما لضلالهم واغترارهم، وإما لاعتقادهم أن لهم ناصرا ينصرهم ويحميهم من عذاب الله، [فلما*] انتفى الناصر؛ تعين أن ذلك مجرد مثلا لهم واغترارهم.
لم يقل: هو يرزقكم بالبناء على المضمر، كما في التي قبلها، لأن هذا لم يدعه أحد، ولا يخالف فيه؛ خلاف الأول ونحوه، قال ابن هشام في قوله تعالى:(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)، فإن قلت: لم قرن هذا بأداة الشرط فقال (إِنَّ أَمْسَكَ رِزقَهُ)، ولم يقرن الأول بها، فلم يقل: أم من هذا الذي ينصركم إن لم ينصركم الرحمن، [أوْ لا*] يذكر الشرط فيهما معا؟ فالجواب: أن الرزق لازم لهم لابد لهم منه، إذ لَا قوام لهم دونه، فإِمساكه عنهم مستبعد أو ممتنع، إذ لَا حياة لهم