للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) صيغة أفعل هنا للتحقير، وانظر قولهم (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ) فإنه يقتضي إظهار القوة منهم، وقولهم: (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) يقتضي الاستبداد والضعف؛ فيحتمل أن يكون حالهم تغيرت أو أن وقت المبادرة محل إظهار القوة.

قوله تعالى: (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ).

إن قلت: المناسب الفاء؛ لأن الاسترهاب سبب عن سحر أعين النَّاس، قلت: إنما يفتقر إلى الفاء فيها سببية غير ظاهرة.

قال ابن عرفة: وفي قولهم: (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) أي: [لن نترك موسى يبتدئ بالإلقاء]، [ولما فهم*] (١) ذلك عنهم موسى، قال لهم ألقوا، قال: وانظر هل القضية مانعة الجمع أو مانعة الخلو، والظاهر أنها مانعة الخلو فلا يخلو المخلي على أن يلقي هو قبلهم أو يلقون هم قبله، ويحتمل أن يقع منهم الإلقاء جميعا في زمن واحد.

قوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (١١٧)}

يحتمل أن يكون من الموحَى وإخبار عن حال العصا.

قوله تعالى: (مَا يَأفِكُونَ).

أي ما أفكوا، كقوله تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) للتصويرِ، أو على بابه إن جعلنا فإذا هي من تمام الموحَى، كقوله تعالى: في الآية الأخرى (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا).

قوله تعالى: {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (١٢٢)}

هذا يدل على أن الإضافة [يعتبر*] فيها حال المضاف إليه، وإلا لما تخلصوا من الدعوى. لأن فرعون قد يقول: أنا رب موسى وهارون؛ فالمعنى ذلك الرب الذي يدعيه موسى وهارون ربا.

قوله تعالى: {آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ... (١٢٣)}

قيل: إنه لم يقع إذن منه لهم قبل ولا بعد، فهذا يدل على أن مثل قولك: كان كذا قبل كذا لا يقتضي وقوع الثاني، ولذلك كان ابن عبد السلام ينتقد على الطاعنين في قوله: ويؤمر الجنب بالوضوء قبل الغسل، فإِن أخره بعد ذلك أجزأه؛ وهذا يقتضي أنه لا يتوضأ قبل الغسل إذ لَا فائدة في الوضوء بعد الغسل، ونظيره قوله تعالى: (لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي).


(١) قال الزمخشري:
"وقولهم وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ فيه ما يدل على رغبتهم في أن يلقوا قبله من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر، أو تعريف الخبر وإقحام الفصل، وقد سوّغ لهم موسى ما تراغبوا فيه ازدراء لشأنهم، وقلة مبالاة بهم، وثقة بما كان بصدده من التأييد السماوي، وأنّ المعجزة لن يغلبها سحر أبداً". اهـ (الكشاف. ٢/ ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>