للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هو الإنعام عليهم بنعمة استدراجا لهم في المعاصي.

قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ ... (١٨٣)}

هو عدم مؤاخذتهم بالذنب في الحال وتأخيرهم إلى أجل مسمى، فإن قلت: عبر في (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ). بالنون الدالة على المتكلم ومعه غيره، وفي (أُمْلِي لَهُم). بهمزة المتكلم وحده، فأجيب بوجوه؛ الأول: قال ابن عرفة: المشاهد في الدنيا أن إعطاء النعم في الملوك أكثر من الحلم والصفح والعفو عن [المجرم؛ فلا نجد منهم من يعفو عن المجرم*] إلا القليل بحيث يعد عدًّا كمعاوية ونحوه، ونجد الكثير منهم يعطي العطاء الجزيل فلما كان الإنعام أكثر ناسب أن يعبر عنه بالنون التي للمتكلم ومعه غيره، وكانت هنا للعظمة فقط.

الثاني: أن الاستدراج نعم دنيوية والإملاء تأخير إلى أن يعذبوا عذابا أخرويا.

الثالث: أن الاستدراج فعل يستدعي فاعلا فناسب نون العظمة والإملاء ترك وتأخير وعدم مؤاخذة، والعدم لَا يتعلق به القدرة فناسب همزة المتكلم وحده.

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤)}

قال ابن عرفة: وتقدم المبالغة في النفي بأربعة أوجه: الأول: إدخال لفظه من، الثاني: إفراد لفظة جنة فهو أعم من لو قيل: جنون، الثالث: بلفظ صاحب المضاف إليهم فهو إشارة إلى أنهم غافلون به وهو بين أظهرهم قديما وحديثا.

قوله تعالى: (إنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ).

الحصر بحسب السياق؛ أي: هذين لمن كذب وخالف وطعن فيه بالجنون.

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... (١٨٥)}

قال القرافي: الملك راجع للأمر الظاهر، والملكوت راجع للأمر الباطن، وهو ظاهر كلام البيضاوي؛ لقوله في خطبة كتابه الطوالع المطلع بشواهد الملك وغياهب الملكوت، فالملك ما تعلق بظواهر الملك الأمر، والملكوت ما تعلق بخفياتها.

وقال ابن عرفة: بل الفرق بينهما أن المخلوقات إن نظرناها باعتبار ذواتها فقط فهو نظر في ملك، وإن نظرناها من جهة افتقارها إلى موجد أوجدها فهذا نظر في ملكوت؛ فيستدل به على وحدانية الصانع وقدرته وإرادته وغير ذلك، فإن قلت: لم قرن الأول بالتفكر والثاني بالنظر؟، فالجواب: أن الأول ماض فناسب التفكر كما يتفكر الإنسان شيئا نسيه، والثاني حالي فناسب النظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>