قال ابن عرفة: لما تضمن الكلام السابق نهي المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أخلاء وأصحابا، وكان النهي عن ذلك محتملا لأن يكون اتصفوا بذلك بالفعل، أو لم يفعلوه بل هم في حيز الاتصاف عقبه بما يدل من تنفيرهم عن ذلك بذلك مع زيادة الإشعار باتصافهم به، فهذه الآية تأسيس لَا كما قال ابن عطية: وغيره من أنها تأكيد.
ابن عرفة: إن قلت: لم قال: (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ) فحذف هاء التنبيه من الثاني، وقال قبله:(هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ) بإثباتها في الأول والثاني، فأجاب بعض طلبته بأن تلك الآية خطاب للكفار بلا خلاف فأعيدت هاء التنبيه، لأن المخاطبين أولا هم المخاطبون ثانيا، وأما هذه فقيل: إنها للمؤمنين، وقيل: إنها إشارة للكفار وهم غائبون والغائب [ينبه*]؛ لأنها تنبيه [للمخاطب*]، ولذلك جعله أبو حيان: من باب الاشتغال، كقوله: ها أنت زيدا ضربته.
الجواب الثاني: قال ابن عرفة: عادتهم يجيبون بأن التنبيه يشعر بالقرب، فلذلك لم يؤتَ بهاء التنبيه الدالة على القرب بخلاف تلك، فإن المحاجة تقتضي أن أحد الخصمين في شيء، والآخر في شيء آخر فالنهي عن محبتك من لَا يحبك، فأحرى محبتك لمن يكرهك، وهذا في الأمر الديني؛ لأن من الكافرين من كان يحب بعض المؤمنين، لَا لوصف الإيمان بل لقرابة بينهما، أو صحبة قديمة، أو يد سلفت، أو نحو ذلك.
قوله تعالى:(وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ).
قال ابن عرفة: يحتمل أن يكون الكتاب واحدا بالنوع، أو واحدا بالشخص، وفي آية النساء:(وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ)، فهل التبعيض أيضا في نوع الكتب، أو في شخصه بمعنى إن أنتم تؤمنون بالكتب كلها، وهم يؤمنون بالتوراة خاصة، ولا يؤمنون بالقرآن، أو المعنى إن أنتم تؤمنون بجميع التوراة، وهم يؤمنون ببعضها فقط؛ لأن فيها صفات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والإعلام بصحة نبوته، وهم يكفرون به، وهذا هو الظاهر.