للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عود الضمير على الثمر، فيقال: ليأكلوا من فم الثمر، وأول الآية وعظ وتخويف لعموم النَّاس عوامهم وخواصهم، وهذه تذكير ونظر واستدلال لخواصهم، وأنشد أبو حيان هنا بيتا، وإنما ذكره سيبويه فى باب الضرائر.

قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي ... (٣٦)}

اعتراض، لأنه تقدم عنها آية بذكر قدرة الله تعالى، وتأخرت عنها آية أخرى، فأتت هذه إنباء بأن فاعل ذلك مستحق للتنزيه.

وقال الفخر: وجه المناسبة أنه تقدمها (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِم أَفَلا يَشكُرُونَ)، فحقهم الشكر على هذه النعم، فتركوه وزادوا في الضلال، بأن عبدوا غير الله تعالى، فأتى هذا على معنى التنزيه لله تعالى عما فعلوه، وليس في الآية تعرض لعبادتهم غير الله، بل [**وعزا] (١) فيها على عدم الشكر، ومن يشكر على قسمين: تارة يعبد الله عز وجل، وتارة يعبد غيره.

قال الفخر: واستدل بها من يقول: إن الأعمال ليست من الأرواح ولا من الأنفس، والآية اقتضت حصر المخلوقات [في*] هذين، وأجاب الفخر بالفرق بين قولك: خذ كل المال من العبيد والخدم والعروض، فهو عام مفسر بعض أفراد، وذكرها يكفي عن ذكر الباقي، انتهى، إنما ذلك فيما علم دخوله أو خروجه باتفاق، وأما المختلف فيه والمشكوك فيه، فلا بد فيه من التنصيص على دخوله أو خروجه، والأعمال مختلف فيها، فلو أريد دخولها لنص عليها، ومِن في [(مما تنبت) *]، إما للتبعيض أو لبيان الجنس.

قوله تعالى. (وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)

ليست قضية حقيقية؛ لأنه تقدم ذكر النفوس وأزواجها، هي مجهولة لَا تعلم حقيقتها، ولا قضية خارجية؛ لأن بعض المتقدم ذكره موجود في الخارج، ونحن نتصوره ولا نعلمه إذ لم [نره*]، فلم يبق إلا أن تكون بين الحقيقة وهي أخص الوصف، والخارجية الذهنية، وهي أعم الوصف فيكون بينهما، فالمراد به ما هو معلوم الوجود، ولم [نره*] كما نعلم وجود أشياء في الجنة، ولم نرها، بل رأينا نظير تلك الأشياء في الدنيا لكن لَا يتم هذا على قاعدة الزمخشري؛ لأنه يقول: إن الجنة غير مخلوقة الآن.

قوله تعالى: {نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ... (٣٧)}

قيل: (النَّهَارَ) زمان [مستقل*] بنفسه، وكذا (اللَّيْلُ)، فليس انسلاخ أحدهما من الآخر أولى من عكسه، أجيب: بأن مذهب أهل السنة أن الضوء ليس من طبيعة الشمس ولا من لوازمها ذهنا، وإمَّا هو أمر عادي خلقها الله تعالى عندها لَا بها. هذا


(١) النص في مفاتيح الغيب هكذا:
"وَوَجْهُ تَعَلُّقِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: أَفَلا يَشْكُرُونَ [يس: ٣٥] وَشُكْرُ/ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ وَهُمْ تَرَكُوهَا وَلَمْ يَقْتَنِعُوا بِالتَّرْكِ بَلْ عَبَدُوا غَيْرَهُ وَأَتَوْا بِالشِّرْكِ فَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ وَغَيْرُهُ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا فَقَالَ أَوْ نَقُولُ، لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْآيَاتِ وَلَمْ يَشْكُرُوا بَيَّنَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْعَاقِلُ فَقَالَ: سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها أَوْ نَقُولُ لَمَّا بَيَّنَ الْآيَاتِ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ أَوْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى". اهـ (مفاتيح الغيب. ٢٦/ ٢٧٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>