قوله تعالى: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ).
الإضراب للانتقال من الذم، وأخص الأوصاف إلى الذم بأعيانها وهو أبلغ؛ لأن الشاهد بأنه رأى فلان في وقت كذا يشرب الخمر قد يعرض لخبره التكذيب لشاهد آخر يشهد بأنه رآه في ذلك الوقت بعية غير شارب الخمر، والشاهد بأن فلانا فاسق أو شارب خمر بالإطلاق؛ خبره أقرب إلى الصحة.
قوله تعالى: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ ... (٨٥)}
إن قلت: لم عبر في الأول بالمصدر وفي الثاني بالاسم؟ فالجواب بثلاثة أوجه:
الأول: أنه من حذف التقابل؛ أي أوفوا الكيل بالمكيال والوزن بالميزان.
الثاني: أن البخس الغالب أن يكون في الكيل والميزان لَا في الوزن.
الثالث: أن الوفاء من جهة المكيال أن يفعل في الكيل لَا في المكيال والوفاء من جهة الميزان أن يكون فيه لَا في الوزن.
قوله تعالى: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ).
أخذ منه بعض الموثقين أن من أحدث حفرة بإزاء دار فإِنه يمنع ولو لم يضر بها لأنه يبخس من ثمنها.
قوله تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
إن كان شرطا في الأمر دل على أن الكفار غير مخاطبين.
قوله تعالى: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ ... (٨٦)}
إن قلت: لَا يلزم من النهي من الكل النهي عن البعض، قلت: قد تقدم أن ليس كل من أسرار الجزئية السابقة، و (إِنْ) دلالتها على سبيل الحكم من الكل مطابقة، وعن البعض التزام، فإِن قلت: لأي شيء عدل عن الأمثل؟ قلت للتشنيع عليهم، وأنهم كانوا يقعدون بكل صراط يوعدون؛ (وَتَصُدُّونَ): أي توعدون من لَا حكم لكم عليه ولا سلطان، وتصدون من ينقاد لكم [ويطيع*] أمركم، وتبتغون عوجا لمن يطالبكم بالدليل، وتعلمون أن له نظرا واعتبارا وتأملا، وهو إشارة إلى اختلاف حالهم باعتبار من يصدونه ممن لَا علم عنده ولا فطنة يكتفون فيه بالصد والتوعد، ومن له بعض ممارسة يظهرون له اعوجاجا؛ فاصبروا على أن الخطاب للفريقين يكون وعدا للمؤمنين ووعيدا للكافرين، وتكون صيغة أفعل حينئذ مشتركة بين التهديد والإشارة.
قوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ... (٨٨)}