الأول: أن يحزنني مستقبل، وذهابهم به كذلك، فمعناه إن قدرت وجود ذهابكم به فالحزن مبني موجود بلا شك، لوقوع موجبه، (وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ)، إن قدرت ذهابكم به ولا يحزن عليه، لأني لَا أدري لعله يسلم لام الابتداء الداخلة على خبري تخلصه للحال، قيل في ذلك قولان والصحيح أنها للاستقبال، وإن كان ابن مالك في التسهيل جعلها من المخلصات للحال فقد صح غيره أنها للاستقبال الثاني؛ أن الحزن واقع منه، لأنه لما آتوه عصبة واجتمعوا وتظافروا على طلبه الذهاب به علم يعقوب أنه لَا بد له من إسعافهم بمطلوبهم، فكان موجب الحزن، وهو الذهاب واقعا في الوجود، فوقع الحزن لأجل ذلك بخلاف سبب الخوف، وهو أكل الذئب إياه.
(وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)
الزمخشري: متعلق بـ (أَوْحَينَا)، لَا غير.
الطيبي: أي قراءة النون يعني أوحينا إلى يوسف هذا التهديد والوعيد في حقهم، والحال أنهم لَا يشعرون بهذا الوحي، لأن إنباء الله إياهم لَا يجتمع مع عدم شعورهم به بخلاف إنباء يوسف، لأنه حصل مع عدم شعورهم، وفيه نظر بجواز أن يتعلق بقوله (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ)، وأن يريد بأنباء الله أيضا جزاء فعلهم لهم وهم لَا يشعرون بذلك، والظاهر أن هذا الإنباء هو قوله (هَلْ عَلِمْتُم مَا فَعَلتُم بِيُوسُفَ).
(عِشَاءً ... (١٦)
الزمخشري: رواه ابن جني [عُشى*] العين والقصر.
الطيبي: قال ابن جني: رواه عيسى بن ميمون، فيكون عشوا من البكاء، وطريق ذلك أنه جمع عاش وكان قياسه عشاة كعاش وعشاة؛ إلا أنه حذف الهاء تخفيفا، وهو يريدها، وفيه ضعف؛ لأنه قدر ما يكون هي ذلك اليوم لَا يعشو منه الإنسان، ويجوز أن يكون جمع عشوة أي ظلاما، وجمعه لتفرق أجزائه.
(بِدَمٍ ... (١٨)
قال المفسرون: أن يعقوب لوث وجهه بذلك الدم.
فإِن قلت: كيف فعل هذا والدم نجس؟ قلت: ملاقاة النجس إنما هي مكروهة، وهذا محل حزن وذهول.