قال الزمخشري: ويكون التأكيد بالثاني أبلغ، وإمَّا لاختلاف المعنى، فالأول علمهم بالبرزخ، والثاني علمهم بالقيامة، وإمَّا لاختلاف العلمين، فالأول في الكفار والثاني في العصاة، نقله ابن عطية، وضعف ابن عرفة الأول؛ لأن النحويين فرقوا بين العطف والتوكيد اللفظي في الجمل، كقول المؤذن: الله أكبر الله أكبر، وليس فيه، وضعف الأخير لقول الزمخشري: إن الإتيان مبالغة في التأكيد، وأن الثاني أبلغ من الأول فلو قال الأول في العصاة، والثاني في الكفار لكان صوابا.
قوله تعالى: {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)}
(كَلَّا) زجر لما تقدم فيتوقف قبلها، ابن عرفة: ويحتمل أن يكون زجرا لمعنى لما بعد عاد لاسيما عند من يقول: إن لو أن نفيها إيجاب وإيجابها نفي؛ لأن المعنى: لو تعلمون علم اليقين لانزجرتم، فيدل على أنهم [لا*] يعلمون ذلك وغفلوا عنه فزجرهم على عدم العلم.
قوله تعالى: {عِلْمَ الْيَقِينِ (٥)}
من إضافة الصفة إلى الموصوف، ابن عرفة: فيه عندي دليل على أن العلوم الحادثة متفاوتة، وهي مسألة خلاف بين الأصوليين، وهما مسألتان في أصول الدين، فقيل: إن العلوم كلها متساوية، وقيل مختلفة، ومنهم من جعل الخلاف لفظا، وقال بعضهم: أما في دلالة العلم فلا تفاوت بينهما أصلا، وأما بالنسبة إلى الطرق المحصلة إلى العلم فلا يشك في [ ... ] ضروري ونظري، فالضروري لَا يعرض له وهم ولا تشكيك، والنظري يعرض فيه التشكيك والمخالفة في الاستدلال، فهذا إذا كان راجعا إلى الآخرة فهو ضروري، وهو أقوى العلوم فلذلك قال: علم اليقين، وقد تقدم في قوله تعالى:(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ)(إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ) وتقدم أنه إن أريد نفس وقوع ما تعلق به الظن [فهو*] بمعنى العلم، وإن أريد بالظن وقته فهو على بابه.