أعلمه حين يلقى الحفظة له كان دليلا على أنه غني عنهم، فإِن قلت: ما أفاد: (يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ) وهو كقولك: تضارب فيَّ المتضاربان؟ قلت: تفيد إما بتقييده باليمين والشمال، وإما بأن ذلك إنما يكون غير [مقيد*] إن لو كان المراد أن كل واحد يلقى صاحبه، وليس المراد الإخبار بلقاء كل واحد منهما صاحبه؛ بل بلقائهما معا المكلف.
قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ ... (١٨)}
ذكر القول دون الفعل؛ لأنه أكثر، فإذا [أحصى*] القول فأحرى الفعل، فإِن قلت: هذا [لا يتناول*] حديث النفس، ولو قيل: ما يصدر من قول لتناوله، والعبد إذا هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، وإن هم بسيئة فلم يعملها ولم يوطن نفسه عليها لم تكتب، فإِن وطن نفسه عليها كتبت عليه سيئة، قلت: هذا راجع إلى العمل لَا إلى القول.
قوله تعالى:(رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
يحتمل أن يكون صفتين لموصفين، فيكون ملك الشمال رقيبا أي مراقبا عليه؛ لأنه يكتب السيئات، وملك اليمين عتيدا أي حافظا يحفظ له ما يصدر عنه من الحسنات فيكتبها ولا يضيعها، ويحتمل أن يكونا صفتين لموصوف واحد.
حكى الفخر في [المحصول*]: الخلاف في الموت هل هو أمر وجودي أو أمر عدمي؟ واحتج لمن قال: إنه وجودي، بقوله تعالى:(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ)، وأجيب: بأن يكون خلق بمعنى قدَّر، والتحاكم في هذا إلى اللغة هل ورد خلق بمعنى قدَّر؟ وفي الآية رد على الفلاسفة [والطبائعيين*] القائلين بأن هذه الأجسام بطبعها فانية لَا تقبل البقاء لما فيها من العفونات، إذ لو كانت كذلك لما احتيج إلى نفي نفع [المحيد*] من ذلك، ولما احتيج إلى زيادة (بالحق)، وجعل الموت سكرة تشبيها له بالسكر من الخمر؛ لأنه يغيب العقل والحواس.
قال الإمام الغزالي رحمه الله: ولا يذوق من شدة مرارة الموت إلا لمن سوى الأنبياء والأولياء، قال: وأما الأنبياء والأولياء فتألمهم بمفارقة النفوس لأبدانهم كما يتألم المحب بمفارقة محبوبه؛ لأن نفوسهم كانت [زكية*] شريفة وخالطت [ ... ] شرف بها، فعند انفصالها يتألم من الانفصال والمفارقة لَا بسبب الوجع الذي يجده من الانفصال والمفارقة، انتهى. ويرد هذا ما ورد في حديث مسلم: أن رجلا رأى النبي صلى الله