وقال بعضهم: إن هذه الآية تدل على أن الذرية [الملْحَقين بالآباء*] هم الذين آمنوا وماتوا على الإيمان وهم غير عاصين أو عاصين تائبين، وأما غير التائبين فإنهم لا يلحقون بآبائهم بل (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ).
فإِن قلت: هل تدل الآية على الكسب الذي ينسبه أهل السنة للعبد؟ قلت: لَا لأن الكسب هنا مما يذكرونه، فإِن قلت: لم عدل عن صريح المطابقة فلم يقل بما عمل رهين، كما قال تعالى (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فالجواب: أن العمل أعم والكسب أخص، [ولَا يطلق إلا على عمل المكلف*]، ولما كان الأول اتصافا [وتقريرا لنعم الله*] وفضله على العبد ذكر العمل الذي هو أعم، إذ هو أبلغ في مقام الامتنان ولما كان الثاني في معرض التهديد علقه بالأخص.
قوله تعالى: {وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢)}
جاء هذا مطلقا، وفي سورة الواقعة (وَلَحْمِ طَيْرٍ)، فيحتمل هذا الإطلاق [أن*] يقيد بتلك، وفي ذكر الفاكهة، واللحم أنه جاء بأن طعام الجنة إنما هو للتفكه، لأنه لَا يطلب اللحم والفاكهة، إلا من شبع وأراد التفكه.
فإِن قلت: هلا قيل: ممن يشتهى، فهو أعم وأبلغ، قلت: المراد حصول مرادهم في كل شيء.
إن قلت: ذكر التنازع في شرب الخمر دون الأكل، قلت: لأن عادة [العرب بيسارة*] الأكل دون شرب الخمر، فذكر التنازع في الخمر المقتضي للاستنكار منها دون الطعام والماء جريا على المألوف، والتنازع أن يطلب كل واحد من صاحبه الكأس ليشرب منها، ثم لما كان التنازع قد يؤدي التشاجر بين النداء ما في الدنيا احترز منه، بقوله تعالى:(لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ)، ولذا قيده إلى التنازع، بقوله: فيها دون ما قبله، فلم يقل: وأمددناهم فيها، إشارة إلى مخالفة حال الآخرة، لحال الدنيا، وأن التنازع السالم عن اللغو والقائم إنما هو في الجنة، وتنازعهم إنما هو في الخمر، لَا في الكأس، فهو من باب تسمية المحل باسم الحال فيه.