المراد لا يعلمون صحة ما أمروا (به) أو لا يعلمون علما نافعا، وحذف المفعول (قصدا) لهذا العموم.
قال ابن عرفة: وفي هذه آيتان، آية من الله تعالى بعلمه ذلك (مع أنهم) أخفوه: وآية أخرى بإعلامه به محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وقال جل ذكره: {وَإِذَا لَقُواْ الذينءَامَنُواْ قالواءَامَنَّا ... }
(إنما) اعبر بإذا اعتبارا بالأمر العادى لأنهم (مجاورون) لهم (وقريبون منهم) فهم في مظنة أن يكون لقاؤهم لهم محقق الوقوع. فإن قلت لم قال: {وَإِذَا لَقُواْ الذينءَامَنُواْ قالواءَامَنَّا}. ولم يقل إذا لقيهم الذين آمنوا، وأي فرق بين قولك: لقيني زيد ولقيت زيدا، مع أنه أمر نسبي، فإن من لقيته لقيك؟
قال ابن عرفة: فرق بعضهم بينهما بأن المتلاقيين إن كانت لأحدهما مندوحة عن اللقاء، ويجد ملجأ أو مقرا فهو مفعول، والآخر الذي لم يجد ملجأ ولا مقرا بل اضطر إلى لقاء صاحبه يستحسن أن
يكون فاعلا للقاء، والمنافقون كانوا يكرهون لقاء المؤمنين، وإذا لقوهم في طريق يحيدون عنهم، فلذلك كانوا في الآية فاعلين لأنهم مضطرون إلى اللّقاء.
قال جل ذكره: {وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ قالوا إِنَّا مَعَكُمْ ... }
قال الزمخشري: لم عبّر في الأول بالفعل وفي الثاني بالاسم؟
وأجاب بأنهم عبروا بالفعل (لأنّ) مقصودهم الإخبار بتحصيل مطلق الإيمان، ولم يلتزموا تحصيل أعلاه، وأخبروا أشياطينهم بحقيقة أمرهم على جهة الثبوت.
قال ابن عرفة: وتقدّم الجواب عنهم بأنّهم (إنّما) عبّروا بالفعل لكونهم نزّلوا أنفسهم منزلة البريء الذي يقبل قوله ولا يتّهم، فلو أكّدوا كلامهم لكانوا مقرّين بأنَّ المؤمنين يتهمونهم بالكفر وينكرون عليهم زعمهم أنهم مؤمنون، فأرادوا أن لا يوقعوا لأنفسهم ريبة، بل يخبرون بذلك على البراءة الأصلية خبر من يكتفي منهم بأدنى (العبارة) ويقبل كلامه، ولا ينكر عليه.
وقولهم لشياطينهم: «إِنَّا مَعَكُمْ» أكدوا ذلك لأمرين: إما لكون (ذلك محبوبا لهم)، فبالغوا فيه كما (يبالغ)
الإنسان (في مدح ما) هو محبوب (له)، وإما تقرير لمعذرتهم لأنّهم أظهروا الإسلام (فخشوا أن) يتوهّم فيهم أصحابهم أنّهم مسلمون، فبالغوا في تمهيد العذر (لنيّتهم).