للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خاصة. لأنها لَا تسمع ولا تعقل، وجمع الديار فهي تنال كل واحد في داره على حدته، ولما كانت الرجفة راجعة لأبدانهم وأماكنهم فتزلزل وتخرب حتى تصير كأنها دار واحدة بعد موت، واختلاطها أفرد الديار.

قلت: ونقل ابن عبد السلام إلى أنه أجاب بأن الرجفة عقوبة أرضية؛ فنسبت الديار إليها نسبة واحدة، والصيحة عقوبة سماوية فتخص كل دار على حدتها.

وأجاب صاحب درة التنزيل بأن الآية التي جمعت فيها الديار، وذكر فيها نجاة النبي وقومه، ولا شك أنهم كانوا يجتمعون لأجله ليسمعوا قوله، ويختبروا أحواله، فلما ذهب المعنى الذي لأجله كانوا يجتمعون فرقوا في البلاد، فناسب جمع الديار، والآية التي أفردت فيها الرجفة لم يذكر فيها نجاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يزل النبي بين أظهرهم لم يزالوا مجتمعين، فكأنهم في دار واحدة، وعذابهم في ذلك عذاب واحد.

قوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ... (٨٠)}

قال الزمخشري: وأرسلنا و (إِذ). ظرف لـ أرسلنا، أي واذكر لوطا، أو بدل بمعنى واذكر وقت قال لقومه.

قال ابن عرفة: يريد أنه ظرف كان منسوبا، واذكر مفعولا إن كان بدلا من لوطا. وأورد الطيبي كونه بدلا بأنه يقتضي بأن القول وقع حين الإرسال مع قبله بلا شك، وأجاب بأن وقت القول خير من يوم أو شهر أو عام، وذلك اليوم أو الشهر لجمع الإرسال والقول، قلت: فاعتبر هنا الكل وجعل وقت الإرسال لاجتماعها في وقت آخر يجمع الوقتين، كما أعيد الضمير في قوله (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) على العشية لاجتماعها في يوم واحد يجمعها.

قال ابن عرفة: ويحتمل أن يقال: ليس المراد ابتداء الإرسال فقط؛ لأنه حين القول يسمى مرسلا وقبله وبعده؛ فهو حين يرسل أي دائم الإرسال، قال: لكن يرد على هذا أن قوله: (وَأَرسَلْنَا). هل هو حقيقة في أول أزمنة الإرسال مجاز فيما بعدها أو حقيقة في الجمع؟ وإذا قلنا: إنه مجاز فيكون المجاز فيه من حيث جعلنا لفظ أرسل متناولا زمن القول وما بعده.

وما قال الطيبي: مجاز من حيث جعل زمان القول ظرفا له، والرسالة لاجتماعها في زمن يشتمل عليها؛ فيتعارض المجاز في الفعل وهو إذ.

وقال الأصوليون وغيرهم: إن المجاز في الأسماء أكثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>