أن الكفار يغلبونهم بالكثرة والقوة، فاحترس من ذلك بهذه الآية، وقال: لَا تتوهموا أنهم يضروكم غاية أمرهم أنهم يؤذونكم بالقول فقط، وهذا أحسن مما قال الزمخشري.
ابن عرفة: والضرر المنفي فعلي والأذى قولي، أي لَا يصدر منهم لكم إذا إلا كما يصدر من المريض العاجز عن الحركات، والمريض العاجز لَا يصدر منه إلا الإذاية بالقول خاصة فكذلك هؤلاء.
ولم يقل: يولوكم أدبارهم، أجاب ابن عرفة بأنه لو قيل: يولوكم أدبارهم لما حصلت كمال الطمأنينة للمؤمنين؛ لأن الجيش له مقدم ومؤخر، وساعة وقلب، ففي الممكن إذا انهزم مقدمه المباشرون للقتال ولوا أدبارهم أن مخلفهم الساعة والمؤخر، فلما قال:(يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ) أفاد العموم وأشعر بانهزام جميع جيشهم ثم لما كان المعهود في الجيوش المنهزمين أنهم كثيرا ما يفرون حتى يأخذ العدو سلبهم أو بعضه، ثم يكرون عليه فيهزمونه ويستخلصون منه ما أخذ لهم احترز من ذلك بقوله:(ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ).
ابن عطية: الاستثناء منقطع، وفي الكلام حذف تقديره:(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا) هلكوا لَا نجاة لهم فلا نجاة لهم من الموت إلا بحبل من الله.
قال ابن عرفة: ويحتمل أن يجاب بأن الذلة على نوعين ذلة أخص، وذلة أعم، فمعناها الأخص هو كون اليهودي إذا وجد بدار الحرب مباح دمه وماله، والمعنى الأعم هو إذلالهم واحتقارهم فقط، فقوله:(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) هو المعنى الأخص، وقوله:(إِلَّا بِحَبْلٍ) أوضاع مقدرة شرعا، وحبل من النَّاس وهو ما أخذونه منهم من الجزية، وقوله:(وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) إما راجع لصفة الشخص الفعل، أو لصفة المعنى وهو الإرادة أعنى أنه راجع لبعض الانتقام منهم، أو لإرادة الانتقام منهم، وما أراد الله لابد من وقوعه.