قال ابن عطية: إما أنه [نهي*] أن يأكل من شجرة معينة وتركها وأكل من شجرة أخرى من جنسها، وقيل: إن النهي إنما كان على جهة الندب لَا على التحريم.
ورده بعضهم بأن العصيان إنما يصدق على فاعل المحرم، وأجاب بعضهم بأن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا، بأن العصيان كان يطلق عندهم على فعل ما لَا يجوز فعله.
قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى ... (١٢٣)}
عقبه بالفاء إشارة إلى أن العداوة سبب في الهداية أو عداوته سبب في أن ينبعث إليهم الرسل يهدونهم إلى طريق الحق.
قال ابن عرفة: وهذه الآية عندي دالة على أن بعثة الرسل محض تفضيل من الله تعالى وليست واجبة؛ إذ لو كانت واجبة كما يقول المعتزلة لقال: فإذا يأتيكم مني هدى، فعبر باللفظ المقتضي للتحقيق.
قوله تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ).
إن قلت: لم أعاد الظاهر، وهلا قال: فمن اتبعه فلا يضل ولا يشقى، فالجواب: أن الهدى الأول عام؛ كقوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، والثاني: خاص بدليل إضافته إلى الله تعالى فهي إضافة تشريف؛ أي فمن اتبع هداي الموصول إلى طريق الحق.
قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ... (١٢٤)}
ولم يقل: عنه؛ لأن الإعراض عن ذكر الله يستلزم الإعراض عن الهدى بخلاف العكس.
قوله تعالى: {لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥)}
قال ابن عرفة: إن كان قوله في هذا حقا فهو دليل على أن العمى في العين وإن كان باطلا فهو عمى البصيرة؛ لأنه ادعى أنه كان سليم البصيرة، وهذا نظير قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣).
قوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ... (١٢٦)}
ونسيناك وهذا لَا يصح، فقال: قد يجمع بين العلة والمعلول في شيء واحد.
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ ... (١٢٧)}