قال ابن عرفة: تكذيبهم له حق واقع، فإن عبر عنه بأن على جهة التلطف في العبارة؛ لأن في خطابه التكذيب المعبر عنه بما يدل على وقوعه حقيقة إيحاش وجفاء وغلظة، كما تقول لمن مات أخوه: إن أخاك شديد المرض فامض إليه.
قوله تعالى:(ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ).
ابن عرفة: منهم من قال الخطاب بذو أبلغ من اسم الفاعل، ومنهم من عكس فحجة الأولين قوله تعالى:(وَفَوْقَ كُل ذِي عِلْم عَلِيمٌ)، وقوله تعالى:(وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) لأنه لو قيل: وفوق كل عالم عليم لم يكن فيه فائدة وإنَّمَا الفائدة في الإخبار بأن من يظن بلوغه النهي في الغاية في العلم فوقه من هو أعلم منه، وكذلك ليس المراد بمن اتصف بمطلق الإعسار إنما المراد من به اعتبار متحقق ثابت فهو الذي قال بإنظاره.
وحمله الزمخشري على أنه ذو رحمة لمن أطاعه وعقابه لمن أجرم، وحمله ابن عطية إلى أنه إشارة إلى إمهاله لهم وعدم معاجلته لهم بالعقوبة، ثم أتى بقوله (وَلَا يُرَدُّ) احتراسا خشية أن يتوهم أنه يرحمهم دائما فأفاد أنه سيعاقبهم بعد إمهالهم.
السين إما للتحقيق والاستقبال، والظاهر الأول؛ لأنهم قالوا ذلك في الآية، والآية تقديرها بإضمار مقدمة لابد من تقديره أي: سيقولون إشراكنا مراد الله تعالى فهو غير فهي عنه، وإشراكنا غير منهي عنه، وقرره الزمخشري بمنع الصغرى جريا على مذهبه في أن الله تعالى لم يرد القبائح، وتقديره على مذهب أهل السنة بمنع الكبرى، ورد التكذيب إليها فيعارض من الإقرار لكن دليلنا نحن أنه لو كان راجعا إلى منع الصغرى لقال:(كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ) بتخفيف الذال من (كَذَّبَ) وإنما التلاوة بتشديد الذال وهو تكذيب لَا كذب إشارة إلى أنهم قالوا: وكل مراد الله غير منهي عنه، وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالنهي عن هذه الأشياء المحرمة على اليهود، وبالنهي عن الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير فكذبوه فيما أخبر به، وقالوا: كل مراد الله غير منهي عنه، وقال الله تعالى (بمِثْلِ) تكذيبهم يا محمد كذبت الأمم المتقدمة لأنبيائهم، فإن قلت: قد قرئ في الشاذ (كَذَبَ) بالتخفيف، قلنا: القراءة النادرة ليست معتبرة في الأمور الظنية فأحرى الاعتقادية.