فهذه الآية قوية في الرد عليهم. وقال الفخر: في غير هذا الموضع اختلفوا هل يصح صدور المعصية من العالم أم لَا؟ واحتج من منع صدورها منه بأن الفعل متوقف على القدرة والإرادة والداعي، وقالوا: في أصول الدين أن الداعي هو العالم بما في الفعل من مصلحة أو مفسدة كالمكلف لَا بد له من مرجح يترجح به عنده الفعل أو عدمه وهو الداعي، قال المعصية عنده راجعة للفعل فهو جاهل أعماه الشيطان وأشغل فكره حتى ظهر له أن مصلحة المعصية أرجح وإن كانت عنده مرجوحة فهو عالم فيستحيل صدور المعصية منه حينئذ، ابن عرفة: وفي الآية سؤال وهو أن همها هي بمعمول من قوله (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ).
فلم احتيج إلى أن القسم عليه، ويؤكد السؤال على ما قال الزمخشري: من أنه يحسن الوقف عليه (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) لأن همها هي به دائم لَا ينقطع إلا إضرارا من غير اختيارها [وهمه هو بها خطر بباله*] مرة ثم زال [فهو مباين لهمها*]، والجواب: عن السؤال من وجوه، الأول: لما كان نبيا معصوما [ومن حاله هذه يجب أن لا يظن بباله معصية الله تعالى*] فقد يقال إنها يستبعد منه الموافقة على ذلك فلا تهم بذلك، فكذلك أقسم على همها به، الثاني: أنها أنزلته منزلة الولد [بقول*] العزيز لها (عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)، ورده ابن عرفة: بأنه من قول العزيز لَا من قولها.
اختلف فيه المفسرون عامله يرجع لثلاثة أحوال: إما أنه رأى البرهان بالقول، أو بالفعل، أو بالفكر وهو أنها سترت الصنم منه فتذكر هو وخاف من رؤية الله له.
قوله تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ ... (٢٥)}
قال الزمخشري: أفرد الباب هنا لأن المراد الباب البراني، ابن عرفة: إنما أفرده هنا وجمعه في قوله: (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) لوجهين الأول أن قوله: (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) اختياري وهو من مختار تعلق الجميع ليتمكن من غرضه [ ... ] نعت، وأما قوله (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) فخروج يوسف اضطرارا والمضطر يتشبث بأدنى سبب فأفرد الباب إشارة إلى أن يوسف أراد أن [يهرب منها*] بأول ما تلقاه من الأبواب خوف أنه إن فر إلى غيره لحقته ولم يقصد الخروج للعزيز لأنه لم يعلم أنه عند الباب ولكنها اضطرته ولحقته حتى خرج من باب إلى باب إلى أن فتح الباب البراني فوجد العزيز هناك مصادفة، الجواب الثاني: أنه أتى به مفردا لأنه أبلغ كقول الزمخشري في (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) أن عموم المفرد المحلى بالألف واللام أقوى من عموم الجمع.