قال ابن عرفة: كان الفقيه أبو العباس أحمد بن علوان يقول: مقتضى هذا أنهم طرحوه بين أيديهم، لأن الظهر بالنسبة إلى
الوجه خلف، والوجه بالنسبة إلى الظهر خلف، فالظهر خلف الوجه، والوجه خلف الظهر، وإذا طرحوه وراء ظهورهم لزم أنهم طرحو أمامهم فلا ذم عليهم.
قال ابن عرفة: وأجيب بأن المراد المبالغة في إبعاده عنهم فهم جعلوه وراء الوراء كما جاء في الحديث الصحيح: «مِنْ وَرَاءِ وَرَائِهِمْ» جعلوا للوراء وراء ونبذوه خلف ذلك الوراء وهو أبلغ في كمال النبذ.
قلت: والحديث خرجه مسلم في أواخر كتاب الإيمان من أحاديث الشفاعة من رواية ربعي بن خراش عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول: وهل أخرجكم منها إلا خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله، فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى عليه السلام الذي كلمه الله تكليما» الحديث بكماله انفرد به مسلم.
قوله تعالى:{واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين ... }
أي عملوا بمقتضاه، وليس هو من الاتباع الحقيقي، لأن متلو الشياطين لا يتبع إنما يتبع التالي وهو الشيطان لا متلوه.
قوله تعالى:{على مُلْكِ سُلَيْمَانَ ... }
قيل؛ أى على عهد سليمان، ويحتمل أن يراد اتّباعهم ما سمعوا أنّ الشيطان كان يتلوه في عهد سليمان، وأنهم يتبعون في عهد سليمان ما يتلوه الشيطان إذّاك؟ قال ابن عرفة: وتعلّم السّحر واعتقاده حقا كفر. وأما تعلمه من غير اعتقاد حقيقة ففي التكفير به قولان، وظاهر المتكلّمين أنّ التكفير إنّما هو بأحد ثلاثة أمور: إما بقول كلمة الكفر، أو بالسّجود
لصنم، أو بالفعل كلبس الزّنار ونحوه. وجعل الفخر (هنا) من السحر (الشعوذة).