وعدم إعطائه المال، فأحرى أن يذموا على دفعه بعنف وضربه؛ لأن يدع بالتشديد يقتضي الدفع بعنف.
قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦)}
عبر بالفعل المقتضي للتقاطع والتجدد شيئا بعد شيء؛ لأن المراءات إنما يكون للناس الناظرين له، وهؤلاء يلامون، أو يلاقون التكلف في كل الأوقات بل في أقلها؛ لأنه في الليل وفي بعض النهار في داره لَا يراه أحد، بخلاف (سَاهُونَ) فإن ترك الصلاة ملازم له، فلذلك عبر فيه بالاسم فهذا مفاعلة.
قال الزمخشري: فالمراد في النَّاس عمله وهم يرون الثناء عليه والإعجاب به، قيل لابن عرفة: أما ذم الذي يرائي النَّاس عليه فظاهر، وأما ذم القاصر الذي يثنون عليه فمشكل، وظاهر المفاعلة ترتب الذم على الجميع، فأجيب بوجهين: إما بأن المفاعلة تستلزم ذم الفاعل لَا ذم المفعول له كقوله "من قاتل عليا فهو مذموم" ولا يلزم منه طائفة على الذين من حزبه ونفر الذي يضارب زيد فلا يلزم مجيء زيد.
الثاني: أن يقول الذم يتناول من يثني على المرائي ويشكره ويشكوه وهو يعلم أنه مرائي في عمله وعبادته، أما من يثني عليه وهو يظن أنه مخلص في عبادته فلا ذم عليه، قيل لابن عرفة: والمرائي مذموم مطلقا سواء أثنى عليه أحد وتعجب من عمله أو لم يثن؛ لأن الذم إنما هو على قصده ونيته، قال ابن عطية: أن يثني عليه فلذلك كانت مفاعلة، [ ... ] الأجزاء المراءاة حقيقة إنما هي بالفعل وفي المعنى المقصود ولم يتصفا هنا من ذلك إلا أنهما اتفقا في نفس القصد لَا في المعنى المقصود، انتهى، قلت: وتقدم لنا عند ابن عرفة في [الختمة*] الأولى في هذه الصورة ما نصه: الكذب عبارة عن عدم مطابقة الخبر مدلوله، ويستعمل في الماضي والمستقبل خلافا لابن قتيبة فإن الخبر بالمستقبل غير المطابق [ ... ] خلفا، وهذه الآية رد عليه؛ لأن الذي هو المجازاة بالثواب والعقاب في يوم القيامة، وإنَّمَا قال: يكذب بلفظ المضارع، ولم يقل: كذب؛ لأن فعل الحال يؤتى به عند تعظيم الأمر وتهويله فيقتضي ذلك الشيء في الذهن حتى كأنه كالحاضر بين يدي المخبر به، قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) ولم يقل: فأصبحت، وقال هنا:(يُكَذِّبُ) بقبح مقالته وعظمها.