للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن هشام الباهلي: مذهب أهل السنة للسبب، وعلى مذهب المعتزلة واجب، وكذلك السبب.

قوله تعالى: {فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ... (٢٠)} .. المبتدأ مأواهم؛ لأنه أعرف، ولأنه مقدم ولإحصاره في الخبر لَا مأوى لهم إلا النار، بخلاف العكس.

قوله تعالى: (ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).

قال ابن عرفة: عادة القراء يقولون: السورة المدنية وصف فيها عذاب النار بالمذكور، وهي سورة السجدة، وفي سورة سبأ وصف فيها عذاب النار [بالمؤنث*] [فانتسبت*] هنا للعذاب، وفي سبأ للنار، وأجاب الطيبي [وابن الزبير*]، بأن النار هنا تقدم ذكرها، فالأصل جاء ذكرها مضمرا، فيقال: مأواهم النار كلها.

قوله تعالى: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا).

وقيل لهم ذوقوا عذابها، فالظاهر هنا وقع موقع المضمر لَا ينعت، فلذلك قال (الذي كنتم به [تُكَذِّبُونَ) *]، النعت للعذاب لَا للنار، وأما سورة سبأ فقبلها (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ).

قوله تعالى: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا).

قال بعضهم: الإعادة تقتضي أن يكون الخروج أن يكون بمعنى كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، ويجوز في لفظ الإعادة بأن يراد منها المنع من الخروج أو يكون المعنى أرادوا الخروج، وأخذوا في أسبابه، وروي عن الحسن: أنهم يصعدون من الطبقة السفلى إلى العليا، فيردون إليها.

قوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ... (٢١)}

قال الزمخشري: العذاب الأدنى عذاب الدنيا، من القتل والأسر وغيره، وعن مجاهد: هو عذاب الآخرة، زاد ابن عطية بلا خلاف.

قال ابن عرفة: يحتمل أن يكون معا في الدنيا فالأصغر [بسبي ذراريهم [وسلب أموالهم*]، والأكبر [سبيهم*] في أنفسهم.

قال الفخر: [وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى فِي مُقَابَلَتِهِ الْعَذَابُ الْأَقْصَى وَالْعَذَابُ الْأَكْبَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ الْعَذَابُ الْأَصْغَرُ، فَمَا الْحِكْمَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَدْنَى بِالْأَكْبَرِ؟ فَنَقُولُ حَصَلَ فِي عَذَابِ الدُّنْيَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا:

أَنَّهُ قَرِيبٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَلِيلٌ صَغِيرٌ وَحَصَلَ فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ أَيْضًا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَعِيدٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ عَظِيمٌ كَثِيرٌ، لَكِنَّ الْقُرْبَ فِي عَذَابِ الدُّنْيَا هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ لِلتَّخْوِيفِ بِهِ، فَإِنَّ الْعَذَابَ الْعَاجِلَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا قَدْ يَحْتَرِزُ مِنْهُ بَعْضُ النَّاسِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَرِزُ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ إِذَا كَانَ آجِلًا، وَكَذَا الثَّوَابُ الْعَاجِلُ قَدْ يَرْغَبُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ وَيَسْتَبْعِدُ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ الْآجِلَ، وَأَمَّا فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ فَالَّذِي يَصْلُحُ لِلتَّخْوِيفِ بِهِ هُوَ الْعَظِيمُ وَالْكَبِيرُ لَا الْبَعِيدُ لِمَا بَيَّنَّا فَقَالَ فِي عَذَابِ الدُّنْيَا الْعَذابِ الْأَدْنى لِيَحْتَرِزَ الْعَاقِلُ عَنْهُ وَلَوْ قَالَ: (لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأصغر) ما كَانَ يَحْتَرِزُ عَنْهُ لِصِغَرِهِ وَعَدَمِ فَهْمِ كَوْنِهِ عَاجِلًا وَقَالَ فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ الْأَكْبَرِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَوْ قَالَ دُونَ الْعَذَابِ الْأَبْعَدِ الْأَقْصَى لَمَا حَصَلَ التَّخْوِيفُ بِهِ مِثْلَ مَا يَحْصُلُ بِوَصْفِهِ بِالْكِبَرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدِ اخْتَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَذَابَيْنِ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ أَصْلَحُ لِلتَّخْوِيفِ مِنَ الْوَصْفَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِيهِمَا لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ*].

<<  <  ج: ص:  >  >>