قال ابن عرفة: السمع والبصر صفتان متغايرتان لصفة العلم عندنا، قيل له: الصحيح عندنا المخالفة لَا التغاير، فقال: التغاير لفظي لَا معنوي.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ... (٥٩)} .. إن قلت: لم كرر الفعل، فالجواب: لو لم يكرر لأوهم أنه إنما يجب عليه طاعته فيما أتى به عن الله فصار ما أتى به مجملا غير مبين أنه عن الله، فلا يلزم طاعته فيه بدليل أن أول الأمر إنما تلزم طاعتهم فيما يحكمون به مستندين للكتاب والسنة، وأما إن خالفوا الكتاب والسنة فلا تلزم طاعتهم، ابن عرفة: واختلفوا هل الطاعة موافقة الأمر أو امتثال الأمر، وهل بينهما فرق أم لَا؟ قيل له: الفرق بينهما فيمن يفعل العبادة بلا نية، فإن قلنا: موافقة الأمر فهو مطيع وإلا فلا، فقال: لما يوافق الأمر بوجه؛ لأنه إتمام أمر بفعلها مع النية بدليل حديث:"إنما الأعمال بالنيات" وإنما الفرق بينهما في العاجز عن فعل الطاعة، فإن فسرناها بامتثال الأمر فهو غير مطيع، وإن فسرناها بالموافقة فهو مطيع لكونه لم يخالف الأمر بوجه فإن قلت: ما أفاد قوله: (مِنْكُمْ)، قلنا: أفاد الأحرار؛ لأن النفوس تكره أن يتآمر عليها من هو في قرابتها وقبيلها ومن هو في سنها بخلاف ما لو تآمر عليها من هو من غير قبيلها.
عبر بـ إن دون إذا لكراهة الشيء والتنازع والخطاب بالتنازع لَا يصح أن يكون للمأمورين؛ لأنهم أمروا بطاعة الله ورسوله وأولي الأمر فلا يقع بينهم نزل إذا أطاعوا أولي الأمر، ولا يصح أن يكون للأمرين؛ لأن الخليفة لَا يتعدد وإنما يكون واحدا فقط إلا أنه يراد باعتبار ما وقع بينهم حسبما ذكروه في سبب نزول الآية وما جرى لعلي ومعاوية، أو يريد النزاع بين الجميع، إذا وقع النزاع بين المأمورين فإن كان أحدهما حاكما فيحكم، وإن لم يكن بينهما حاكم فليرفعا ذلك إلى حاكم.
قال ابن الخطيب: فيها حجة للمعتزلة القائلين: بأن العبد يخلق أفعاله ويستقل بها، ابن عرفة: وما يطمع إلا فيمن هو قريب من المعصية، وأما من هو مستبعد عصيانه فلا يتشوف إليه ولا يوسوسه كما لَا يتشوف أحد لأن يصنع كرسيا من زجاج.
ابن عرفة: الفاء للتسبيب، قال: وتقرير السببية عندي أن المنافقين طلب منهم الإيمان بالله ورسوله فيأتون إليه أعزة فلما كفروا سجل عليهم بأنهم ستنزل بهم بسبب