قال ابن عرفة: كان بعضهم يقول: الوفاء هو الزيادة على الأمر الواجب، وهو الإتيان بالمطلوب وزيادة، والمراد هنا: الإتيان بالقدر الواجب فقط، والأمر للوجوب فكيف صح التكليف بإيجاب الزيادة عما كان التزمه، وأجيب: بأن ذلك فيما يتعدى [بفي*] فيقال: وفى الكيل ووفى الوزن، وأما حيث يتعدى [بالباء*] فإنما يراد به الإتيان بما كان التزمه فقط، فيقال: وفى بدينه ووفى بعهده، قلت: أو يجاب بأن ذلك وفَّى المشدد فهو المقتضي للزيادة لأجل المبالغة، وأما المخفف فهلا قال: ويدخل في هذا جميع العقود والطلاق إن كان معلقا مثل: إن دخلت الدار فأنت طالق، والوعد؛ لأنه من العقود، وكذلك بيع الخيار.
قال الزمخشري: والعقد العهد الموثق فشبه بعقد الحبل، ونحوه قول الحطيئة:
قيل لابن عرفة: نقل بعضهم عن سيدي الشيخ الفقيه الصالح أبي محمد عبد الله المرجاني كان يقول: هنا فعل الطاعات سبب في تحليل الطيبات، كما أن المعاصي والمخالفات سبب في تحريم المحرمات، قال تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) قالوا: فالعقود سبب في تحليل هذه الأشياء، فقال ابن عرفة: إنما يصح هذا لو كان خيرا وليس كذلك، بل هو أمر بالوفاء يحتمل الامتثال وعدمه، وأكثر النَّاس عصاة لَا يمتثلونه، قلت: وذكرته لشيخنا أبي الحسن محمد بن أحمد المطرفي، فقال: إنما سمعت أنا عن المرجاني أنه كان ما نصه قوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ) بعد قوله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) تشديد وتشبيه على عدم المبالاة بالجاني في عقوبته على عدم الوفاء كأنه يقول: أما بهيمة الأنعام حلال لكم تسخرونها كيف شئتم وتعذبونها بالذبح والنحر متى شئتم من غير معصية منها لكم في أمر أو نهي، ولا يسمون بقتلها جائرين، وكل حكم فيها عدل، فإن كان هذا وصفكم مع أملاككم التي ملكناها لكم فكيف وصفنا معكم، وملكنا لهم [بالاختراع*] لَا بالتمليك، و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فإني لَا أبالي بعقوبة من خان ولا بثواب من أوفى وأنتم لتمام ما