وقال ابن عرفة: لما تضمن الكلام السابق ذمهم بكفرهم بالله عقبه ببيان أنهم ليس لهم في ذلك شبه.
فإِن قلت: المطابقة تقتضي أن يقال لهم: شرعوا من الدين ما لم يشرعه الله، كما قيل: [وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا*]، وأجيب: بأن الإذن أعم من الشرع، ونفي الأعم أخص من نفي الأخص؛ لأن الشرع يقتضي ثبوت ذلك وجعله شريعة مستمرة، والإذن يقتضي الأمر به.
ابن عرفة: عادتهم يقولون الفرق بين هذا وبين قوله: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) قال وأجيب: بالفرق بين اعتبار المستقبل من حيث نسبته للفاعل وبين اعتباره من حيث نسبته للمفعول، فقوله تعالى:(وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ) أتى فيها الخبر منصوبا للفاعل، وقوله تعالى:(وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ) الخبر فيه منصوب للمفعول، أي (وَلَوْلا كَلِمَةُ) الموجبة للفصل بين النَّاس، فالفصل بين النَّاس منعزل للكلمة.
ابن عرفة: عادتهم يقولون: ترتيب الوصف المناسب [يشعر*] بكونه علة له، فهلا أتى معبرا عنه بلفظه، فيقال:(مُشْفِقِينَ) من ظلمهم.
قال: وأجيب: بأن الكسب أعم من العلم فهم لأجل ظلمهم يخافون من كل ذنب [عملوه*] وإن قل.
وأورد الفخر: أن الإشفاق هو الخوف ومتعلقه مستقبل، فكيف قال وهو واقع بهم؟ وأجيب: بأنها حال مقدرة، ويحتمل أن تكون محصلة، قيل له: الضمير يعود على قوله تعالى: (مِمَّا كَسَبُوا) أي وما كسبوا واقع بهم فيرد الإشكال، فقال:[واقِعٌ بِهِمْ يُرِيدُ أَنَّ وَبَالَهُ وَاقِعٌ بِهِمْ سَوَاءٌ أَشْفَقُوا أَوْ لَمْ يُشْفِقُوا*] وهم خائفون من تزايده وتراكمه عليهم شيئا بعد شيء [فيكون*] من باب عندي درهم ونصف، قالوا:[واقِعٌ بِهِمْ*] عذاب مثله وهم مشفقون من تزايده.