للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: هل ينتفع بـ (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)، في مسألة علمه بالجزئيات؟ فقلت. نعم.

قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ... (٣٢)}

قال الشيخ ابن عبد السلام: يدخل في هذا جميع من كذب على الله من أكثر الفقهاء، إذا لم تحكم بمستند التنزيل [**وهو الداء إذا لم يستحقها].

قيل: هل في الآية دليل على تكفير من يكفر بالذنب؛ لأنه سجل عليهم بوصف الكفر، فقال: قد لَا يؤخذ ذلك وقد يؤخذ، قيل له: قوله تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ)، وهل فيه حذف الفاعل تقديره: والذي جاءوا فيكون المراد بالذي الجنس، فقال: ما ذكرته إنما يصح إذا جاء بالموصول مجموعا، فحينئذ تؤتى بالصلة مفردة حذفا لما ذكرت، وهنا ليس كذلك فليس من ذكر الباب، وإنما المراد بالذي الجنس، دليله قوله تعالى: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)، قيل: هل يتناول العصاة أو لا؟ فقال: لَا لأنه يلزم عليه أن يكونوا موعدين بأن لهم ما [يشاءون*] عند ربهم، وذلك باطل إجماعا.

قيل له: أجمع أهل السنة على أنهم لَا بد لهم من الجنة، فقال: وأجمع المسلمون ما عدا الجبرية على دخول طائفة النار، وإلا فيلزم أن يوصف ذو الكبيرة بالرحمة، وأنه يعبد الله كأنه يراه، وذلك باطل بالإجماع.

قوله تعالى: {أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ... (٣٥)}

قال: لما كانوا في غاية الورع كانت تصدر منهم بعض الحسنات يعدونها سيئات، وليست بسيئة، وإنما هي حسنة، وليس المراد بقوله (أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) أسوأ السيئات، وإنما المراد التشبيه في اعتقادهم أنها سيئة.

فإن قلت: لم قال هنا (بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقال تعالى في النحل (بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، قلت: في النحل تقدم ذكرها، وهنا تقدم ذكر الذي في قوله (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ).

قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ ... (٤٥)}

[وجه نظم هذه مع التي قبلها، ما قرره الأصوليون والجدَلِيُّون، أنّ وجه الترتيب في المناظرة أن يبدأ المستدلُّ بإبطال مذهب الخصم، ثم يصحِّحُ مذهبَه، ثم إنْ كان في مقالة خصمِه تناقضٌ أو تهافتٌ بيَّنَه له؛ وعلى هذا الترتيب أتتْ هذه الآيات؛ أنكَرَ أوّلا على الكفار مُدَّعاهم، مقْرونا ذلك الإنْكارُ بالدّليل الدالِّ على بطلان تلك الدعوى، وهو قولُه (أَم اتَّخَذُوا) الآية؛ ثم ذكَر مُدَّعى المومنين مقرونا بدليل صحّته، فقاَل (قُل للَّهِ الشفَاعَةُ جَميعاً)؛ ثم أكّد دليلَ إبْطال مُدَّعَى الكفار بتناقضهم في دعْواهم فقال (وَإِذَاَ ذُكِرَ اللَّهُ)؛ وبيانُ التناقض أنهم زعموا أن تلكَ الآلهةَ تشْفع لهم عند اللَّه تعالى، والمشفوعُ عنده أعلى رتبةً من الشفيع، فالمناسبُ إذا ذُكر اللَّه وحده أن تطمئن قلوبُهم إليه، فنفورُها عند ذلك مع كونه مشْفوعا له تناقض منهم] (١).

قيل: له قوله تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) .. ، هل كقوله في

الحديث: "لهم فيها ما لَا عين رأت ولا أذن سمعت"، بالنقيض أم لَا؟ فقال: لَا لأنه

إنما نفى ما لم يحتسبوه، وإلا فهو محسوب عند غيرهم، لأنه من جنس ما يقع منهم،


(١) تم جبر هذا السقط من كتاب (النكت والتنبيهات للبسيلي. ٣/ ٤٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>