قال ابن عرفة: بين إما ظرف وإلا مفعول، وهل البين بنفسه هو الحاجز، أو شيء آخر يحل فيه، وكان بعضهم يرجح الأول خوف التسلسل وتداخل الأجسام؛ لأنه إذا كان الحاجز بينهما شيئا آخر فما الحاجز بين ذلك الشيء وبينهما، فإِن كان شيء آخر فتسلسل الأمر، وإن لم يكن ثم حاجز لزم تداخل الأجسام وعدم الحاجز قرئ في كمال الفرد.
قوله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ... (٦٣)} قال ابن عرفة: عادة الطلبة يقولون: لأي شيء أعاد المسند إليه هنا ولم يعده، في قوله تعالى:(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا).
ولم يقل: ومن جعل خلالها أنهارا، وقال: وتقدم الجواب بأن المعطوفات في الأولين منحصرة في نوع واحد؛ لأن الهداية راجعة إلى القوة العلمية، وإرسال الرياح راجع إلى أثر القدرة.
قوله تعالى:(عَمَّا يُشرِكُونَ).
إنما ذكر الإشراك هنا، بقوله تعالى:(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)، فالإنسان في لجج البحار يستحضر مقام التوحيد، ويلقي اعتقاد التشريك، فناسب أن يعقب بتنزيه الله على نقيض ذلك.
قوله تعالى: {ثُمَّ يُعِيدُهُ ... (٦٤)}
ابن عرفة: هو على تقدير مضمر، أي ثم يميته ثم يعيده، وأورد الزمخشري: أنهم ينكرون الإعادة، فكيف ينكر عليهم عدم الإيمان ممن يعيدهم؟ وأجاب: بأن الدلائل الدالة على الإعادة قائمة عليهم.
قال ابن عرفة: وإذا بنينا على هذا الجواب يكون في الآية حجة على المعتزلة، لأنا أجمعنا نحن وهم على جواز الإعادة عقلا، واختلفنا في وجوب وقوعها، فهم قالوا: إنها واجبة عقلا بناء على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين عندهم، ونحن نقول: وقوعها واجب بالسمع، وهو إخبار الشارع بوقوعها لَا بالعقل.