ابن عرفة: والآية دالة على أن من فعل شيئا من الطاعات من غير مشقة عليه فيها، فإنه يسمى صابرا، قال بعضهم: كمن يترك شرب الخمر والزنا من غير مشقة عليه في تركه، أو يصوم لكونه اعتاد ذلك وصار معتادًا؛ لأن هؤلاء لم ينالهم وهن ولا خوف، فسماهم صابرين، وقد حكى ابن الحباب: أنه حضر في محضرة بجاية وقت إنها هذه، قال: توقف رجل تحت الجبل فرميت عليه حجرا من أعلى الجبل شرخت رأسه، فرجع آخر في موضعه في الحين، فألقى بنفسه إلى الهلاك فالصبر إنما هو حبس النفس على لزوم الأمر المؤلم لها، وهذا عند هؤلاء غير مؤلم بل صار كأنه جبل يدل على أن صاحبه يسمى صابرا.
قال ابن عرفة: الذنوب والإسراف بمعنى واحد، وعن ابن عباس الذنوب عام، والإسراف راجع للكبائر.
ابن عرفة: وعندي أن الذنوب راجعة لعدم امتثال الأوامر والإسراف لعدم اجتناب النواهي، لأن الإسراف في اللغة هو الزيادة على الشيء، قال تعالى:(وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ) وقرأ جماعة قولهم بالرفع، ابن عطية: والخبر فيما بعد [(إلَّا) *].
قال ابن عرفة: تقرر في الإيضاح وغيره أنه لَا يجوز أن [أن الذاهبة جاريته صاحبها*]، فالمعنى كان قولهم: [(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) وَانْصُرنَا .. وَإِسْرَافَنَا*] .. والجواب: أما على قراءته بالرفع، [وهي*] الشاذة يكون الخبر أعم من المبتدأ، [فيصح الإخبار به*]، لأنه أعم منه؛ لأن [قولهم*] مضاف لضميرهم، فإن قالوا: أعم منه، والتقدير:(وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا)[قول*] رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا) [وقول*] أعم من قولهم، وأما على القراءة المشهورة فيكون من باب، [فأنكرت*] الوجوه، وقلت: هم هم، ومثل: جد جده، وشعر شعره، فهو تأكيد وإطناب، وقال ابن عطية: ينحوا إلى أنهم أن ما نزل بهم من مصائب الدنيا، إنما هو بذنوب مضت لهم؛ كما جرت قصة أُحدٍ بعصيان من عصى، فقال: كيف يعتقدون هذا مع أنهم ما وهنوا لما أصابهم وما ضعفوا وما استكانوا.
قوله تعالى:(وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا).
قال ابن عرفة: اتصفوا بالصبر في الحال والعزم على استدامته في الاستقبال فلذلك طلبوا تثبيت الأقدام، ابن عطية: قال ابن فورك في رده على القدرية