ابن عرفة: ومن قرله (مِنَ الطَّيِّبِ) يتبين لَا لبيان الجنس مثل ما في الحديث: "لست من دد ولا دد مني". فإِن قلت: ما بعد الغاية مخالف لما قبلها فينتج الله ميز الخبيث من الطيب بترك المؤمنين على ما هم عليه من الاختلاط وهنا لا يصح.
ابن عرفة: ويجاب بأن الاختلاط أشكال معلقا بمعنى أنه لَا يعلم المؤمنين من المنافقين، واختلاط أشكال بوجه لَا كعما قد يجمعا مخلطا فيه الأبيض والأكحل والعفن والسالم تمييز الأبيض من الأسود، فإنه لَا يزال مسالمة مختلطا ببعضه فكذلك لا تميزهم خبيثهم من طيبهم بالمعرفة فيعلم الكافر من المؤمن ولا يزالون مختلطون بالمعاشرة والسكنى وغير ذلك.
قوله تعالى:(وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) من للتبعيض، قال الله:(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
ابن عرفة: إن قلت: لم قال: (وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ) فعبر عن كفرهم بلفظ الماضي ثم قال هنا: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) فعبر عن بخلهم بلفظ المستقبل مع أن الكلام فيهم بعد وقوع البخل منهم والكفر، فالجواب: إن الكفر متعلق بشيء وهو حجة الإله والرسول فإذا اعتقد هذا كان كافرا ودوامه عليه بقاء لا يجدد، والبخل له متعلقات متعددة؛ لأنه يبخل بكذا ويبخل بكذا، ولا يسمى بخيلا حتى تتعدد متعلقات بخله وتتكرر منه بخلاف الكفر؛ لأنه باعتقاده له أول مرة يسمى كافرا، فإذا دام عليه فهو بقاء لَا تجديد، قال ابن عطية: وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ما من ذي رحم يأتي رحمه فيسأله من فضل ما عنده فيبخل عليه إلا خرج له يوم القيامة شجاع من نار يلتطمه حتى يطوقه".
ابن عرفة: فحمله عندنا على من يجب عليه نفقته من الأقارب، أو حيث تجب المساواة وذلك عند الضرورة الملحقة، لكن يستوي في هذا القريب والبعيد إلا أن