قال ابن عرفة: عادتهم يقولون (كُلُّ) من ألفاظ العموم وإدخالها على النكرة أبلغ في إفادة العموم، فهلا قيل: كل طعام كان حلا، وأجيب بوجهين:
الأول: قال ابن عرفة: عادتهم يجيبون بأن الألف واللام للجنس فأدخلت (كُلُّ) هنا لتأكيد العموم، وصار كتكرار اللفظ مرتين فكأنه قيل:(كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا).
الجواب الثاني: قال بعض الطلبة لابن عرفة: الألف واللام للعهد أي كل هذا الطعام المعهود لكم الذي حرمه يهود زمانكم كان حلا لأسلافهم من بني إسرائيل.
ابن عطية: وانتزع من هذه الآية أن للأنبياء أن يحرموا باجتهادهم على أنفسهم ما [اقتضاه*] أو للمصلحة من جهة، ومن هذا تحريم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مارية على نفسه فعاتبه الله في ذلك، ولم يعاتب يعقوب عليه السلام، فقيل: إن ذلك [لحق آدمي ترتب في نازلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم*]، وقيل: إن هذا تحريم تقرب وزهد، وتحريم الجارية تحريم غضب ومصلحة نفوس.
ابن عرفة: هذا كلام خلف لَا ينبغي نقله ولا اعتقاده في حق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والصواب: ما كان بعض المشايخ يقول في سبب هذا على جهة المثال أنه بمنزلة رجلان يحبهما معا لكنه محبته لأحدهما أكثر فحرما معا على أنفسهما طعاما لذيذا، فإن الولد قد يعاتب الأحب إليه منهما على تحريمه ذلك، وحرمانه نفسه منه، ولا يعاتب الآخر، فلذلك عاتب الله محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يعاتب يعقوب صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تحريم الطعام.
قيل لابن عرفة: إن رجلا قال: أي شيء رأى يعقوب عليه الصلاة والسلام في تحريم هذه الأشياء على نفسه التي هي العروق ولحوم الإبل وألبانها فقال: ينهى عن ذلك القول فقط، ويقال: لَا يتعرض للأنبياء عليهم السلام.