قوله تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ... }
الاستفهام في معنى النفي، أى لا يرغب إلا السفهاء، وهذا إن كان المراد عقائد التوحيد فالملل كلّها متفقة على ذلك وخصص منها
ملة إبراهيم لشرفها واجتماع جميع الملل على اتباعها، وإن كان المراد به شريعته والأحكام الفرعية فلا شك أنها منسوخة (فالمراد) من يرغب عنها قبل (تقرر نسخها).
قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين}
الآخرة هي التي يظهر فيها فائدة الصلاح في الدنيا. انتهى.
قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ... }
قال: هذا إما قول حقيقة بعد رؤية الكوكب والقمر والشمس وإما بمعنى الإلهام إلى/ ذلك وخلقه في قلبه بنصب الدلائل العقلية عليه.
قوله تعالى: {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين}
إقرار بالحكم ودليله فلذلك لم يقل: أَسْلَمْتُ لَكَ.
قوله تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الموت ... }
ولم يقل: أم كنتم حضورا، لأن لفظ الشهادة تفيد الضبط والإحاطة بعلم الشيء.
فإن قلت: مفهوم الآية أنهم لو حضروا لذلك لصح لهم الاحتجاج به مع أنه حجة عليهم لأن يعقوب إنما أوصى بنيه بعبادة الله سبحانه وتعالى وتوحيده؟
فالجواب: أن المعنى: أم كنتم شهداء إذ قال ذلك، أم تقولون هذه المقالة وتدعون أنه أوصاهم (بغير ذلك).
قال ابن عرفة: لأن هذا الاستدلال على سبيل التقسيم عليهم والتنزل معهم على عادة المستدل، فأبطل قولهم بالدليل العقلي ثم احتج عليهم بالدليل السّمعي النّقلي فقيل لهم: أحضرتم لوصية يعقوب لبنيه، وتزعمون أنها كانت موافقة (لدعواكم)، أي ما لكم دليل عقلي ولا نقلي.
وتقديم يعقوب وهو مفعول على الموت للاهتمام لأنّ الآية (نزلت) في معرض إقامة الحجة على الكفار وإقامة الحجة إنما هي بإسناد الأمر إلى يعقوب لا للموت.
قال ابن عطية: والمعنى إذا حضر يعقوب مقدمات الموت، وإلا فلو حضره الموت لما قال شيئا.