وانظر هل هذه شهادة اصطلاحية أو لغوية، فإِنهم قالوا: إن شهادة الإنسان لنفسه غير جائزة، وهذه شهادته لأمته؛ لأنهم صدقوه في رسالته وليبلوهم بتكذيبهم إياه؛ فهي في الاصطلاح دعوى الشهادة، لكن قال في المدونة في كتاب المحاربين: إن السلامة [إن شهد*] بعضهم لبعض جازت شهادتهم فسماها شهادة، وكذلك إذا شهد أنه أوصى بهذا المال له ولزيد، بطلت الشهادة فسماها أيضا شهادة.
قوله تعالى:(أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ).
قال الفخر: فيه دليل لصحة العمل بالقياس انتهى، إن قلت: تشبيه لَا يقاس؛ لأن من شرط القياس أن لَا يكون الحكم في الفرع منصوصا عليه، وقد نص عليه هنا فهو قياس تمثيلي، ولا خلاف فيه، وإنما الخلاف في غيره من الأقيسة، والمشبه هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمشبه به موسى، وجه الشبه الرسالة، وثمرة التشبيه عصيان هؤلاء كعصيان هؤلاء، قلت: بل هو قياس باعتبار قوله تعالى: (فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا) لأن عقوبة هؤلاء لم ينص عليها.
قوله تعالى: {فَعَصَى ... (١٦)}
الفاء للتعقيب لَا للسبب بخلافها في (فَأَخَذْنَاهُ) هي للسبب، فإِن قلت: العصيان سبب عن الإرسال؛ لأن الطاعة موافقة [الأمر*]، والعصيان مخالفته فهي مسببةٌ عن الإرسال، قلت: لو كان كذلك للزم عليه أن يكون الإرسال سببا في الطاعة والمعصية، فيكون سببا في الشيء ونقيضه وهو باطل، وإنما المعصية [مفرعة*] عنه؛ لأنها مسببة.
قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ ... (١٩)}
الإشارة للموعظة، وأكد الموعظة بثلاثة أمور:
الأول: تصديقي، وهو التأكيد بـ (إِنَّ) المقتضية للتصديق والربط.
والثاني: تصوري، وهو اسم الإشارة؛ لأن قوله: أكرم هذا العالم أبلغ من قوله: أكرم العالم.
الثالث: أنه جعلنا نذكر بمبالغة في كونها سببا في التذكرة.