للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ

[ ... ] [لتحقق*] وقوع مدلولها.

قوله تعالى: {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢)}

أطلق على الاعتقاد عملا.

قوله تعالى: {آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ... (٣)}

الزمخشري: يحتمل أن يريد أنهم آمنوا في الظاهر، ثم كفروا ظاهرا وباطنا، ثم كفروا [بالردة*] كذلك (١)، انتهى، الصواب الأول؛ لأن الأصوليين ذكروا في القياس أن العلة إذا كانت مركبة من أمرين، فلابد أن يكون كل واحد منهما صالحا لأن يعلل به الحكم استقلالا، أو يكون التعليل بالمجموع، ويكون كل واحد ينافي الحكم ولا يضاهيه، [وهنا*] لَا يصح أن [تكون*] الأعمال ظاهرا أو باطنا، علة [مستقلة*] في ذمهم، والطبع على قلوبهم، ولآخر علة، لأنه مناقض [للزوم الطبع*]، فإِن قلت: [الذم*] إنما هو على الانتقال منه إلى الكفر، قلت: [الانتقال*] أمر نسبي فصدق أنه تعليل مركب.

قوله تعالى: (فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ).

إما أن يراد مطلق الفهم، وهو مطلق الشعور بالشيء، أو يراد فهم الأشياء الدقيقة، وهذا دليل على أن العقل في القلب، قال ابن رشد: وهو مذهب أكثر الفقهاء، وأقل الحكماء والفلاسفة.

قوله تعالى: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ... (٤)}

عبر بالقول إشارة إلى [أن*] كلامهم غير مفيد، فهو بمنزلة سماع الأجراس وغيرها وكذلك قال (تَسْمَعْ)، ولم يقل: تستمتع؛ لأنه إنما سمعه مجرد من غير قصد، ودخلت اللام للتعليل، أي سماعك إنما هو مجرد قولهم اللفظي الذي لَا معنى له؛ كسماع احتكاك الأجرام، وكان بعضهم يفرقه بين تعدي سمع بنفسه أو بالإنابة؛ [فالأول*] يقتضي الاعتناء بالمسموع بخلاف الثاني، وعبر في الأول: بـ[إِذَا*] والفعل الماضي، وفي الثاني: بـ (إِنْ) والفعل المستقبل؛ لأن إذا لتحقق الوقوع، والماضي محقق الوقوع بخلاف المستقبل، وخصص الأول بـ (إذا) والثاني بـ (إِنْ)؛ لأن أجسامهم [ليست*] من فعلهم، ولا صنع لهم فيها ولا [كسب*]، فهي أمر [جبري*]، فرؤيتها محققة لدوام وجودها مدة حياتها، وقولهم راجع إلى كسبهم واختيارهم، إن شاءوا نطقوا أو سكتوا، فليس بدوام لانقطاعه بسكوتهم، فتوجد أجسامهم وهم سكوت، فلذلك عبر بـ[(إِنْ) لأن*] سماع قولهم غير


(١) النص في الكشاف هكذا:
"فإن قلت: المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم، فما معنى قوله آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا؟ قلت: فيه ثلاثة أوجه، أحدها: آمنوا، أى: نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام، ثم كفروا: ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع عليه من قولهم: إن كان ما يقوله محمد حقا فنحن حمير، وقولهم في غزوة تبوك: أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات. ونحوه قوله تعالى (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) أى: وظهر كفرهم بعد أن أسلموا. ونحوه قوله تعالى (لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) والثاني آمنوا: أى نطقوا بالإيمان عند المؤمنين، ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام، كقوله تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) إلى قوله تعالى (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) والثالث: أن يراد أهل الردة منهم". اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>