الأول: ذكرُ الحَجّ، والثاني: ذِكْرٌ مُطْلَقٌ، فهو تأسيس لا تأكيد وقوله: «كَمَا هَدَاكُمْ» الكاف إمّا للتعليل مثل: {وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} قوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضآلين ... }.
قال ابن عرفة: إن قلت هذا تأكيد لأن الهداية تستلزم تقدم الضّلال لها.
فالجواب أنّه إنما (كان) يكون تأكيدا (أن) لو قيل: وَإِن كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ ضَالِّينَ. وهذا أخص لأن قولك: زيد من الصالحين أخصّ من قولك: زيد صالح.
قاله الزمخشري في قول الله تعالى {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصالحين.}
قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس ... }.
قال أبو حيان: «ثم» قيل إنّها للترتيب في الذكر لا في الزّمان لتعذره وهذا على (الإفاضة) من عرفات وقيل بمعنى الواو.
قال ابن عرفة: لا فرق بينهما لأن الواو كذلك هي أيضا للترتيب في الذكر فالمقدم فيها مقدم في اللفظ لا في المعنى.
قيل لابن عرفة: إنّما يريد النحويون بذلك الذكر القلبي بمعنى: أنه لم يستحضر أوّلا غير (الأول) من المعطوفين فلذلك بدأ به فلما نطق به استحضر الآخر وهذا مستحيل في الآية.
وذكر الزمخشري أن «ثُمّ» هنا لبعد ما بين الإفاضتين وأن إحداهما صواب والأخرى خطأ كما تقول: أحسن إلى الناس ثم لا تحسن الى غير كريم.
قال ابن عرفة: فإن قلت: هلا (قال) ثم أحسن إلى الكريم فيعطف الأمر على الأمر فهو أولى من عطف النهي على الأمر.
فأجاب بأنه أراد تحقيق كونها لبعد ما بين الصواب وهو الإحسان إلى الكريم والخطأ وهو الإحسان إلى غير الكريم ولو أتى بالكل أمرا
لكانت «ثم» بين الجائز والأولى (ولم) تكن صريحة في البعد والتفاوت.
(وزاد) أبو حيان قولين: أحدهما: أنّها للترتيب الزماني والإفاضة (من) جمع.