للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله (الْمُؤْمِنَاتُ)، إن أريد مطلق التصديق، فيكون حقيقة، وإن أريد التصديق لكل ما جاء به، فيكون من تشبيته الشيء بها يؤول إليه لَا ينفي أنه لَا يعلم إيمانهن بذلك إلا بعد [إقرارهن*] بعدم الإشراك والسرقة والزنا، وقدم الإشراك؛ لأن [حفظ*] الأديان آكد، ويبقى النظر بين الأموال والزنا، فقد يقال اجتناب الزنا آكد، بأن حفظ الأنساب آكد من حفظ [الأموال*]، لكن يجاب عنه بما أجابوا عن قوله في المدونة في الكتابي إذا سرق أنه يقطع، وإن زنى لم يحد مع أن العكس كان يكون أولى، فأجابوا: [بأن*] السرقة راجعة إلى التظالم بينهم والفساد، فيحكم بينهم فيها وفيما هو [حق آدمي*] وحق الله، والزنا مجرد حق الله فقط، فيحكم فيه [بشرعهم*] [ولا حق*] في الزنا للآدمي، لأن غالب الأمر في المزني بها أن تكون طائعة، وإن كانت مكرهة فلا نسميه زنا، وهو المراد هنا أعني الزنا طوعا، [وأخَّر*] قتل الأولاد عن الزنا مع أن حفظ النفوس آكد، لأن قتل الأولاد [قليل*] فيهم بالنسبة إلى الزنا، إذ غالب الأمر في الأمهات الرأفة والحنان على أولادهم، فالعطف في الآية [بيان*]، قوله (وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ)، عبر فيه بالإثم، ولم يقل: ولا يأتين بسرقة ولا بزنا؛ إشارة إلى السبب الذي ذكر المفسرون في ذلك من [اختلاق*] الأولاد وجلبهم.

قوله (فِي مَعْرُوفٍ)، إن قلت: ما أفاد، مع أن [أمر*] النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معروف لَا منكر فيه؟ قلت: صدق التعميم الامتثال في أوامره كلها واجبها وندبها، [ولو لم*] يقل في معروف لأوهم أنهم لَا يعصونه في الأمر الواجب، لاسيما على ما قال الفخر، والأكثرون مع أن لفظ العصيان خاص بمخالفة الواجب، والقصد في الآية [مدحه*] في عدم مخالفته في الواجب والمندوب، وأجاب الزمخشري: على أنه تنبيه على أن [مطلق الطاعة منها معروف، ومنها منكر، وأوامر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دل الدليل على أنها كلها معروف*] (١).

قوله تعالى: {لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا ... (١٣)}

وقال في أول السورة (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ)؟

والجواب: أن هذا في عموم المؤمنين بالنسبة إلى المشركين، وتلك في قضية حاطب فيقيد في هذا النهي عن مطلق الموالاة، وفي تلك النهي عن اختصاصها، لأنا إن قلنا: إنها نزلت في اليهود من جهة أنهم كانوا يوالونهم بعض موالاة، فهو أتم حكما، فلم يقع [في*] أخص الموالاة، بل أعمها، وأما أخصها فمعلوم من المخاطب عدم الاتصاف به حيث ما شهد له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحضوره بدرا، أو أنه مغفور له، فإن قلت: كيف ينهى عن مطلق الموالاة، وقال تعالى (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ


(١) النص في الكشاف هكذا:
"نبه بذلك على أنّ طاعة المخلوق في معصية الخالق جديرة بغاية التوقي والاجتناب". اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>