فإنما عطفها وإن كانت الثانية مفسرة للأولى لم يحتج إلى حرف العطف، وقولهم (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) قال ابن مالك: إن الجملتين إن كانت متقاربتين عطفا وإن كانت الثانية مفسرة للأولى لم يحتج إلى حرف العطف فقوله (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) تفسير لقوله (أَصْحَابُ النَّارِ) أو تأكيدا على سبيل التشنيع عليهم وإن هذه المقالة لغرابتها صارت كأنها مقالة أخرى مغايرة لإذايتهم النبي فكذلك عطفه، قيل لابن عرفة: ابن عصفور قال في شرح مقربه من أول باب الفاعل لما ذكر أن قوله (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) قال وقد تعطف الجملة المفسرة نحو قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) قال قوله (كُنْ) تفسيرها لما قبله.
ابن عرفة: انظر هل المراد أنهم طلبوا السيئة فقط، قلت: تقدم السيئة على مثل هذا في قوله تعالى: (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُن مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) وهي إنك إذا قلت جاء زيد قبل عمرو فإنما دل على تقدم مجيء زيد ويحتمل أن عمرو جاء بعده أو معه ولم يجيء بدليل قوله تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي) لأن تمام الكلمات محال، ووقوع السبب بعد الطلاق منفي بالإجماع وكان بعضهم [ ... ] على البراذعي في قوله في التهذيب ويؤمر الجنب بالوضوء قبل الغسل فإن أخره بعده بجزاء لأن الأصل في المدونة فإن الغسل قبل وضوئه أجزأه فكان يقول يقتضي لفظ المدونة؛ لأن ذلك الغسل أجزأه، قال ثم يتوضأ لأن الغسل يقوم مقام الوضوء بالإجماع لحديث "وأي وضوء أعم من الغسل" قلت له: الظاهر أنهم طلبوا السيئة فقط لأن الحسنة بعدها ما تأتيهم إلا وقد هلكوا، فقال يحتمل أن يهلكوا من غير استئصال.
قوله تعالى:(خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ).
أي مضت من قبلهم قرون وقع لها من العذاب ما صيرها يضرب بها المثل لغيرها.
قوله تعالى:(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ).
قيل: إن المغفرة تأخير ذلهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة، ابن عرفة: ويحتمل أن يزاد من علم الله أنه يؤمن بأن يغفر له حالة ظلمه، وقال الغزنوي: إن هذه منسوخ، ورده ابن عرفة: بأنه خبر والأخبار لَا ينسخ، ونقل عن القاضي ابن عبد السلام أنه كان