المشكك، وقد يكون بحيث يزول، أي كيف يجادلونه فيما رآه على وجه لَا شك فيه انتهى، الشك من صفة الناظر والتشكيك من صفة المناظر، فإِن قلت: هلا قيل: على ما أرى، فهو أبلغ لأنهم إذا وبخوا على المماراة فيما [مضى*] وانقطع فأحرى أن يوبخوا على إنكار ما هو حاضر حالي مشاهد له بخلاف العكس، ومع أن القضية ماضية، فالجواب: إنه قصد في الآية الإيماء إلى القياس الخفي على الجلي، وهو أن جعلت رؤية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لذلك، وهو ماضي كرؤيته شيء مشاهد محقق فيه، فمماراتهم فيه كالمماراة فيما هو مشاهد في الحال، فأنكر عليهم المماراة في رؤيته الحاضرة، إشارة إلى ذلك، وكأنه قيل: رؤيته الخفي الماضي كرؤيته الجلي الحاضر، فالمماراة فيه تستلزم المماراة فيما حاضر، واللازم باطل فالملزوم مثله.
فإِن قلت: أو يجاب بأنه إشارة إلى ما ذكروا في القصة من أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كشف بصره، فرأى بيت المقدس، فكان يخبرهم بصفاته، وأحواله فيخبرهم حالة الرؤية، قيل ذلك: احتجاج منه وترجيح لصحة ما أخبرهم به من رؤية جبريل أو عمره لَا أنه هو عين ما أخبرهم به، أو يجاب بأنه للتصوير.
قوله تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤)}
إن كان المرئي جبريل فواضح، وإن كان الله تعالى فالعندية راجعة للرائي لا للمرئي، وانتقد القرافي على الفخر ابن الخطيب في تسمية كتابه [المحصول*]، لأن فعله لا يتعدى إلا بحرف جر، ومثله [لا يتأتى*] منه اسم المفعول إلا مصحوبا بالمجرور، فكان يقول المحصول فيه، وجوابه أن ذلك في نظر الكلام، وأما في التسمية فيجوز لأنه يصح تسمية الإنسان ببعض الاسم، فأحرى أن يسمى باسم المفعول غير مصحوب بحرف الجر، كما سميت هذه الشجرة سدرة المنتهى، ولم يقل المنتهى إليها.
قوله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ... (١٦)}
ولم يقل: إذ يغشاها لئلا يتوهم عود الضمير إلى الجنة، ولأن البناء الظاهر لفخامته.