أحد يفهم نقيضها من الأولى خلاف هذه فإن الذين لَا يؤمنون بالله قد يهديهم الله فيؤمنون فأفادت الثانية ما لم تفده الأولى، وقال بعض الطلبة: بل ورودها على هذا الشيء، قلت: في الآية حجة للمعتزلة القائلين بأن الله لم يخلق الضلال فإنه ذكر عدم هداية الله لهم بعد أن أسند إليهم الامتناع من الإيمان بلام الملك.
قوله تعالى:(وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وليس بداخل في حكم التأكيد بأن بل هل هو معطوف على الجملة كلها كقولك إن زيد قائم وعمر خارج ولا يصح عطفه على الخبر.
ابن عطية:(إنما) ليست للحصر حقيقة بل للمبالغة لأن كثيرا من المؤمنين يفترون الكذب، وأجاب ابن عرفة: بأن الألف واللام في الكذب المعهود، فالمراد إنما يفترى الكذب على الله، فإنها للحصر حقيقة، قيل لابن عرفة: إذا أفتى رجل نفسه تحليل ما هو عنده حرام فقال: هو مفتر على الله الكذب، ومعنى الأمر أن يقول أو يفعل ما يخالف علمه [**فنقدا لذلك]، قلت له: إذا أفتى بالمشهود في مثله، قال: هذا هو حكم الله فهل هو مفتر، إن قلنا: إن المصيب واحد فقال: لَا لأنه مقلد فكان يقول هذا هو حكم الله عند هذا القائل.
قوله تعالى:(وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونْ).
ابن عطية: إن قلت لم كرر هذا مع أنه مفهوم، فأجاب: بأن الكاذبين هنا صفة لازمة للموصوف فهو آكد من الأول.
ابن عرفة: وهذا لَا يصح من جهة النحو، ولا من جهة الأصول فالصفة ليست لازمة للموصوف بوجه ولما النحويون فإنما فرقوا بين قولك زيد هذا القائم وبين زيد قائم، فقالوا: إن الصفة أقوى وآكد من الخبر؛ لأن قائما في قولك زيد قائم خبر محتمل للصدق والكذب والقيام في الأول صفة فما جيء بها إلا بناء على أن المخاطب موافق على معناها لَا هو ولا غيره وليس الكاذبون هنا صفة لمقدر أي هم القوم الكاذبون فقال: لم يقل أحد في القائم في قولك زيد القائم صفة لمقدر وإلا فإن يلزم عليه التسلسل فما قاله ابن عطية لَا وجه له قال: وإنما الحكمة في تكرير هذه الجملة عندي أحد أمرين إما أنه قصد التذييل ومعناه عند البيانيين أن يؤتى بجمل مختلفة الألفاظ متقاربة المعاني وإما أن الأول بلفظ الفعل وهو قوله تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ) فكرر بلفظ الاسم تأكيدا له بما هو أبلغ منه.