قال ابن عرفة: هذه الآية رد على الجاحظ القائل بأن الكذب لَا يطلق إلا على من تعمد الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به؛ لأنه إذا كان الكذب لَا يطلق إلا على من تعمد ذلك فما هو افتراء الكذب، وإذا جعل الكذب عاما في الأمرين، فنقول: افتراء الكذب هو التعمد على الشيء بخلافه، والكذب المطلق هو أن يجريه ناسيا فهذا كذب من غير افتراء.
قال ابن عرفة: أجابوا عن الجاحظ بأن الكذب على قسمين كذب في أمر ظاهر لا نشك فيه فهذا افتراء وكذب في أمر يمكن أن يكون حقا أو باطلا فهذا كذب من غير افتراء، قال: وهذا اللفظ تأسيس؛ لأن الكذب على الله بمنزلة من تجرأ على متاع السلطان فتصرف فيه ويكون كلامه بمنزلة من لم يصدق بما أتى من السلطان من الخبر فالأول أقوى جرأة.
قوله تعالى:(إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
دليل على شدة شر الظالم وعلى شؤم عدم الفلاح؛ لأنه ختم على هؤلاء به وعلل عذابهم بذلك، أو بمعنى بل أو بمعنى الواو، قيل لابن عرفة: إن جعلنا أو بمعنى الواو يبقى من اتصف بأحد الأمرين فقط غير دليل في الآية، قال: وإن لم يجعلها بمعنى الواو ولم يعن الآية؛ لأن المتصف بالأمرين هذا أظلم ممن اتصف بأحدهما بلا شك فيبقى من اتصف بأحدهما بلا شك أظلم من جميع النَّاس بل أظلم من بعضهم فقط.
ابن عرفة: اختلف في العامل في يوم، فقيل: قوله (لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وعبر بالشركاء إما لأن المراد ظلمهم.
قوله تعالى:(شُرَكَاؤُكُمُ).
سؤال توبيخ وتبكيت.
ابن عرفة: وتقدم لنا في الآية سؤال وهو أن جوابها مخالف للسؤال لوقوع السؤال بالفعل مثبتا وهو (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشرَكُوا)، والجواب بالاسم منفيا وهو (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) .. ، ولم يقل: ما أشركنا مع أن نفي الأخص لَا يستلزم نفي الأعم فلا يلزم منه نفي مطلق الإشراك عنهم، قال: وتقدم الجواب بأن المراد نفي الإشراك الأخص الموجب للخلود في النار، وهو الإشراك المتصل بالنار، وأما نفي مطلق الإشراك فلا لأن من أشرك وتاب من شركه لَا يعذب.