عرفة: كيف ينفي هذا القسم باللام وقد، مع أن الماضي بعيد عن زمن الحال؟ فقال: تنزيلا له منزلة القريب ليحصل كمال التخويف.
قوله تعالى:(فَأَمْلَيْتُ).
قال الإمهال مجرد تأخير العذاب والإملاء تأخر العذاب وتيسير أسباب الوقوع في موجبات عذاب آخر ولهذا كان بعضهم يقول الإملاء أشد من الإمهال يعني لأنه يتضاعف به العذاب قال تعالى:(إنَّما نُملي لهم ليَزْدادُوا إثْمًا) المعنى ثابتا في بعض الأمر فهو تقرير وإن لم يكن ثابتا فهو إنكار وهو هنا تقرير لقول ابن عطية: المراد أفمن هو قائم هي كل نفس بما كسبت حق بالعبادة أم الجمادات التي لا تنفع ولا تضر وهو معطوف على مقدر فمنهم من كان مقدره أَهُمْ جاهلون فمن هو قائم زمنهم من قدره منهم غافلون فمن هو قائم، والصواب: قال وهل هذا من العمومات المخصوصة أم لَا؟ قال: إن قلنا أن ذات البارئ تعالى لَا يطلق عليها نفس فيكون باقيا على عمومه، وإن جوزنا الإطلاق لقوله:(تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) فيكون هذا مخصوصا بالبارئ تعالى إذ لَا يقال إنه حفيظهم على نفسه، قيل له: قول (بِمَا كَسَبَتْ ... (٣٣) .. يدل على التخصيص بل هو متعلق بقائم وليس بصفة للنفس والكَسب، الصواب تفسيره بما قاله أهل السنة لأن الأمثل عدم النقل ومعنى قائم حفيظ ورقيب وعالم.
ابن عرفة: تارة تبطل الدعوى ببيان بطلان دليلها في نفسه، وتارة يبطل، بيان بطلان مدلول دليلها وأبطل عليها هنا دليلهم السمعي والعقلي، أما العقلي فبطل لبطلان مدلوله وهو قوله (قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ) فهو غير معلوم لله وكل ما ليس بمعلوم لله فليس موجود ولا معدوم الممكن معدوم، إن قلنا: إن المعدوم الممكن معلوم فدل على أنه محال وأما السمعي فهو قوله (أمْ بظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) وهو قولهم (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) وقولهم (هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) فقيل لهم: هل بلغكم ذلك من الله على ألسنة الرسل أم لَا؟ وقوله (شُرَكَاءَ) خالفها الزمخشري هنا بكلامه على عادته في خلط لفظة المعتزلي بخلافه، وقوله (قُلْ سَمُّوهُم) قيل لابن عرفة: كيف هذا وهم سموهم فقالوا (اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى)، فقال: ليس المراد مجرد التسمية بل يعنيهم والمعنى أنه إنما يستحق اسم إله من اتصف بالاستغناء والكمال ونكره عن العجز والاحتياج فعينوا لنا شركاء متصفين بذلك