قال ابن عرفة: إن قلت: ما فائدة تأكيده بـ إنَّ والمخاطب به غير منكر له؟ قلنا: هو مستغفر، والمستغفر عادته أن يتمنى مطلوبه ويستبعد الزيادة على مطلوبه من الإحسان والإنعام، فذلك أكده بـ إنَّ.
وقال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، فقدم المجرور على خليفة، فأجيب بوجهين:
الأول: قال ابن عرفة: عادتهم يجيبون: بأن أحد أسباب التقديم الشرف، وكان آدم عليه الصلاة والسلام حينئذ معدوما والأرض موجودة، والوجود أشرف من العدم، وأما هنا فالمخاطب داود عليه الصلاة والسلام وهو موجود، وهو أشرف من الأرض بالضرورة.
الثاني: قال بعض الطلبة: هذه الآية في معرض التشريف لداود عليه الصلاة والسلام تقدم فيها ما يقتضي التشريف وهو الخلافة، وآية البقرة خرجت مخرج الاعتناء بالأرض، فجعل [الخلافة*] الموجبة لإزالة الفساد عنها، وتغيير المناكر.
ابن عرفة: انظر ما أشد هل هذه أو آية العقود في قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، فقالوا: تلك أشد لأنهم توعدوا على عدم الحكم بالحق، وهذا الوعيد على الحكم بالهوى، فالحكم يتناول من حكم بالباطل، ومن حكم بالحق لمفارقتها غير مقصود، فآية العقود الوعيد فيها على عدم الحكم بالحق أعم من الحكم بالباطل، أو من ترك الحكم من أصل، وهذه الآية الوعيد فيها على الحكم بالهوى؛ أعم من أن يكون بالباطل متبعا للهوى، أو بالحق متبعا.
ابن عرفة: قد يؤخذ منه جواز تعليل الحكم بعلتين [منتقلتين*]؛ لأن حلول العذاب بهم [يعلل*] باتباعهم الهوى المضل عن سبيل الله، ونسيانهم يوم الحساب سبب في ضلالهم، فالعلتان متداخلتان [في*] علة واحدة.