وقال بعض الطلبة: إن الأول معنوي وهو الجنون، والثاني حسي، قال: وعطف هذه المذكورات ترق لأن الأول خاص بمن نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنون والثاني عام في النَّاس أجمعين بالنظر في ملكوت السماوات والأرض ليهتدوا إلى توحيد الله وعبادته، والثاني بمن حصل الإيمان بالله لأنه مأمور بطاعة الله خشية أن يموت قبل استيفاء ما كلفه به من العبادة، قال: وجمع السماوات وأفرد الأرض؛ لأن دليل تعدد السماوات ظاهر مدرك بالرصد والهندسة، ودليل تعدد الأرض خفي لا تدركه إلا من جهة السمع.
قوله تعالى:(قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ).
قال: الفرق بين قرب، واقترب أن القرب يقتضي مقاربة الشيء مع كون ذلك الشيء طالبا للمقاربة، فكان أجلهم يطلبهم ويستدعي أن يقرب منهم، وهذا مبالغة في طلبه لهم وقربه منهم.
ابن عرفة: وقال هنا (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا). لأنه موضع المستقبل، وقال قبلها (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) لأن متعلقه ماض بحيث بعد.
قال ابن عرفة: لم يفصل هذه الجملة عما قبلها بالواو، إما لكمال المباينة بينهما أو لكمال المقاربة بينهما في المعنى، ولو كانتا في مقام التوسط لفصلا بالواو، وهذه الآية احتج بها أهل السنة على المعتزلة في أن الضلالة خلق الله تعالى؛ لأن ما المراد هنا إلا الإضلال بالفعل، وقد يجيب الآخرون بما أجابه سراج الدين الإمام الفخر: حيث استدل على وقوع النسخ في القرآن، بقوله تعالى:(مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) فقال السراج: ولقائل أن يقول: ملزومية الشيء للشيء لَا تدل على وقوعه ولا على إمكان وقوعه، فأجاب شمس الدين الجزري: بأن تلك الآية سيقت مساق المدح، والمدح إنما يكون بالواقع لَا بالمنكر، يجيب أهل السنة بمثل هذا الجواب؛ لأن سياق الآية دل على أنها جاءت في معرض المدح، قال: ولا بد فيها من تقييد السنة، ولا يصح بقاؤها على الإطلاق، فإن أريد فلا هادي له بالإطلاق تكون حينئذ حينية؛ أي من يضلل الله حين إضلاله فلا هادي أو فلا هادي له وقت إضلاله، وإن لم تكن مطلقة فالمعنى فلا هادي له غير الله ولا ينفي عنه نفي الهداية مطلقا؛ لأنه فريضة في وقت، والمراد من يضله عند الخاتمة فلا هادي له، وهذه القضية تعكس عكس النقيض؛ أي من له هاد فلا مضل له.