قال ابن عرفة: هذا نظير ما وقع في الغيبة فيمن عير برعاية الغنم، فقال: رعى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال به مالك: إن قاله على سبيل التسلي أُدِّب، وإن قاله على غير ذلك ضرب عنقه، قلت: يريد أن يحتد به التنقيص.
قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)}
أورد الزمخشري سؤالا: اغتصاب الملك للسفن سبب لتعييب الخضر لهذه السفينة، فهو مقدم عليه فلم أخر عنه؟ وأجاب: بأن السبب فيه أمران كونها للمساكين ولخشية الاغتصاب، فوسط المسبب بين علتيه؛ كقولك: زيد في ظني قائم.
قال ابن عرفة: وعادتهم يجيبون بأن الحكم تارة يؤتى به مقرونا بعلته، وتارة يؤتى به بسؤال محتاجا جوابا عنه فيؤخر العلة.
وهذا كما يقول السماكي: وهم وتنبيه، وذلك أن ركوبها للمساكين ليس بعلة في إعابتها؛ بل يتوهم أنه علة في العكس، فيقول القائل: فلم أعابها وهي للمساكين؟ فيقال: خشية اغتصاب الملك لها.
وقال الطيبي: أخر العلة فيكون بيانا للسبب والارتباط الذي بين العلة وهي المسكنة، وبين المعلول.
فقال ابن عرفة: بل هي جواب عن السؤال متوهم إيراده على جعل المسكنة سببا في إعابة السفينة.
فإن قلت: لم قال في السفينة (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا)، وفي قتل الغلام (فَأَرَدْنَا)؟ فأجيب بأن الأول متعلق بالإعابة فأسندها إلى نفسه، والثاني متعلق بتبديله بما هو خير منه فشرك غيره معه على سبيل التواضع والأدب.
قوله تعالى: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠)}
قال ابن عرفة: يؤخذ من الآية أنه إذا تعارض احتمال يوهم [نقض*] دين الإسلام مع تحقق حفظ النفس، فقلت: احتمال يوهم [نقض*] الدين؛ لأن الخضر قتل الغلام باحتمال توهم أن يكفر إذا كبر، ويكفر أبواه بسبب كفره.
قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ... (٨٣)}
الطلب من الأعلى للأدنى [أمر*]، وعلته سؤال وخضوع، فهذا سؤال حقيقة [ويجب على هذا*] أن يكون قوله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ)