ابن عرفة: والتأمل الذي فيه - والله أعلم - هو أنه وجد القول في الزمن الأول، ولم يوجد المقول له إلا في الزمن الثاني؛ ألا ترى أن قولك قام زيد فعمرو يقتضي الوجود لقيام زيد في الزمن الأول وبعده قيام عمرو في الثاني، وأمر الله تعالى يقتضي الوجود المتأخر فلا يصح وجوده في زمن لم يوجد فيه المقول له وهو الزمن الأول وهذا مغاير ما فسرنا به [ ... ] النقرشي في تقييده على ابن عصفور لما ذكر احتجاج من زعم أن الفاء كالواو، وبقوله تعالى:(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا). وأجاب عنه بأن المعنى أردنا إهلاكها، كما قال النقرشي: فيه نظر، قلنا: الذي فيه هو أن الفاء تقتضي الترتيب فيقتضي وجود الإرادة في الزمن الأول ولا مراد لأنه لم يوجد إلا في الزمن الثاني والإرادة من الصفات المتعلقة فلا يصح انفكاكها.
قال ابن عرفة: والجواب عن هذا أن الزمان في حق الله محال وإنما هو باعتبار المتعلق فصح على هذا العطف على كن.
ابن عرفة: يحتمل أن تكون المفاعلة هنا حقيقية لأن من هجرك من أهلك فقد هجرته، ويحتمل أن يكون بمعنى مثل [ ... ] الفعل، وهو الصحيح هنا لأن المشركين لم يهجروا المسلمين في الله قال وهذا لف ونشر فقوله تعالى:(لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) راجع لقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا)، وقوله تعالى:(وَلَأجْرُ الآخِرَةِ خَيرٌ) لقوله تعالى: (هَاجَرُوا فِي اللَّهِ).
عبر عن الصبر بالماضي لأن متعلقه ماض وعبر عن التوكل بالمستقبل لأن متعلقه مستقبل والتوكل يترك الأسباب التكميلية عدد جائز، واختلف فيه بترك الأسباب التي لا قوام للإنسان إلا بها فمذهب الفقهاء تحريمه ومذهب الأصوليين جوازه.
يدل على تخصيص الرسالة بالرجال فيحتج به من قال إن مريم عليها السلام ليست نبية، ويجاب: إما بأن الآية إما اقتضت تخصيص الرجال بالرسالة لَا بالنبوة، وإما بأن قوله:(بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ... (٤٤) .. متعلق بـ (أَرْسَلْنَا).