للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: (هُم فِيهَا خَالِدُونَ).

ولم يذكر في (الَّذِينَ اسْوَدتْ وُجُوهُهُم) وصف الخلود في العذاب، قال: فعادتهم يجيبون بأن النفوس مولعة بسوء الظن، فمن نزل به أمر مؤلم تظن دوامه، ولا يطمع في زواله غالبا، ومن كان في نعيم فإنه يتوقع زواله، لأن الإنسان من طبعه الهلع والجزع، فذكر الخلود في الثاني احتراسا ولم يذكر في الأول اكتفاء بما حصل في النفوس من ظن دوامه، قال: وهذا الجواب: تقدمنا في قوله تعالى: في سورة هود (فَأمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ) الآية، وقال في الفريق الآخر (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ).

قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (١٠٨)}

قال الزمخشري: أي ما يريد شيئا من الظلم لأحد من خلقه، فسبحان من يحلم عمن [يصفه*] بإرادة القبائح والرضا بها، وأجيب: بأنا نحن نقول سبحان من يحلم عمن يجعل له شريكا في ملكه.

ابن عرفة: ولا شك أن الآية قوية في صحة مذهبهم لكن تقدمنا الجواب: بأن المراد بالآيات الحجج الظاهرة على بعث الرسول الدالة على صدقه، والإرادة على قسمين فإرادة القديمة الأزلية اقتضت ربط عذابه ببعث الرسل، قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) فهم في العدم أراد أن لَا يعذب أحد حتى يعذر إليه بأن يبعث إليه رسولا بين له الشرائع والأحكام الاعتقادية والشرعية، فإذا تقرر هذا فهما فرض بعد ذلك أراد تعذيب من غير بعث رسول الله كان هذا الفرض ظلما؛ لأنه مخالف لما قرره الشرع فهذه الإرادة تفيد باعتبار الوجود والتقدير، لكنها قد يتوهم فلذلك احتيج إلى نفيها، وانظر تفريق المنطقيين بين الضرورة السابقة والضرورة اللاحقة، وإن كان الأصوليون قد قالوا أن بعثه الرسل جائزة غير واجبة، وأنه يجوز عقلا أن يعذب الله الخلق من غير أن يبعث إليهم أحدا لكن الشرع ورد أنه أريد في الأزل أن لَا يعذبهم إلا بعد الأعذار إليهم فإذا توهمنا بعد ذلك أنه أراد تعذيبهم فمن ظلم وهو المنفي في الآية، وإلا فالله تعالى أراد الخير والشر تعالى أن يكون في ملكه ما لَا يريد.

<<  <  ج: ص:  >  >>