قال ابن عرفة: قالوا الأذى هو الشكوى بذلك والسب عليه.
ابن عرفة: وتقدم لنا سؤال وهو أنه لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم بل العكس، فالمنّ أعم من الأذى فإذا لم يمنّوا فأحرى أن لا يسبّوا عليها.
وأجيب بأن الإنسان قد يشكو بإعطائه النفقة لغيره ويذم معه ولا يمن عليه لأنه إذا رآه يستحيي منه (فلا يمن عليه). فقال: المن على المعطي يكون بمحضره وفي غيبته.
قال: وإنما عادتهم يجيبون بأن سبب المن أخف من سبب الأذى، فإنهم اعتبروا الفاعل ونحن نعتبر المفعول. فنقول: سبب المن مجرد بذل المال للفقير فقط، وأما الأذية (والتشكي) والسب فما يصدر إلا عن موجب وهو إذاية المعطي للفاعل ونحو ذلك. فلا يلزم من نفي المنّ نفي الأذى.
قال: وقال هنا {لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} وقال (بعده) {الذين يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بالليل والنهار سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} فعطفه بالفاء.
وأجاب الزمخشري بأنّ الموصول لم يضمّن هنا معنى الشرط وضمنه هناك لأن الفاء تدل على أنّ الإنفاق به استحق الأجر.
قال ابن عرفة: هذا الكلام لا يستقل بنفسه، ولا يزال السؤال واردا، فيقال: لأي شيء أريد الشرط هناك ولم يرد هنا؟
قال: لكن عادتهم يجيبون بأنه لما قصد هناك الإخبار بأن مطلق الإنفاق في سبيل الله (يلزمه) الأجر قلّ أو كثر دخلت الفاء تحقيقا للارتباط، ولما كان المراد هنا إنفاقا خاصا على وجه شبيه بحسنة
موصوفة بهذه الصفة وأكدت خصوصية سلامته من المن والأذى كان ترتيب الأجر عليه كالمعلوم بالبديهة وكالمستفاد من اللفظ فلم يحتج إلى ما يحقق الارتباط.
قوله تعالى: {لَّهُمْ أَجْرُهُمْ ... }.
أفادت الإضافة الاستحقاق أي أجرهم (اللائق) بهم فواحد يقل أجره وواحد يكثر وآخر في مادة التوسط بحسب (عمله) ونفقته. انتهى.
قوله تعالى: {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ... }.
قال: الخوف يتعلق بالمستقبل فالمناسب فيه أن يكون الفعل المقتضي للتجدد، والحزن يتعلق بالماضي فالمناسب (أن يكون بالاسم) المقتضي للثبوت والتحقيق.
قوله تعالى: {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى ... }.
(قوله تعالى): {وَمَثَلُ الذين يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابتغآء مَرْضَاتِ الله ... }.