المراد به نفي التحريم فقط، وقوله تعالى:(وَاتَّقِينَ اللَّهَ).
والتقوى فيكون عطف تأسيس لَا تأكيد، وقدم الآباء لأن حرمتهن آكد من حرمة الأبناء، وحرمة الأبناء آكد من حرمة الأخوة، بدليل أن آدم عليه السلام كان يزوج الأخ لأخته، والتي تزايدت قبله أو بعده من بطن آخر، ولم ينقل أن ابن تزوج أمه قط، فهو تدلي.
هكذا كان ابن عبد السلام يقرره، لأنه لَا يلزم من نفي الحرج عليهن في دخول من تحريمه عليهن أشد نفيه في دخوله من تحريمه أخف.
وأورد الفخر سؤالا، قال: خوطب أولا الرجال بقوله تعالى: (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)، ثم نفى الجناح عن النساء في دخول محارمهن عليهن، فهلا نفى الجناح عن الرجال، فيقال: لَا جناح على آبائهن ولا أبنائهن في الدخول إليهن.
وأجاب ابن عرفة: عنه بأنه اعتبر أولا حال الفاعل، وهنا حال المنفعل؛ لأن المنفعل قسمان: منه موصوف بالشدة، ومنه موصوف باللين، ونسوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من القسم الأول، بحيث لَا يتجاسر أحد محلهن إلا بإذن، فكان الدخول عليهن من فعلهن إذ لَا يتصور إلا بإذنهن، فالحرج فيه وعدمه مصروف لهن فلذلك نفى عنهن الجناح فيه.
قوله تعالى:(وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ).
ابن عرفة: العام في الأشخاص مطلق في الأزمنة والأحوال، فلذلك قال مالك رحمه الله في العبد: أنه لَا يرى [شعر*] سيدته إلا إذا كان وغدا.
قال ابن عرفة: لما تقدم التنبيه على تعظيم أزواجه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أمر سائر الأمة بتعظيمهم، حيث نهوا أن يسألوهن إلا من وراء حجاب، وأن لا ينكحوهن من بعده، عقبه ببيان تعظيمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما هو أقوى من ذلك وأعظم، وهو صلاة الله عليه وملائكته، وقرر الفخر وجه المناسبة بغير هذا، وعلى الصلاة عليه بالوصف الأعم، وهو النبوة فيستلزم الصلاة عليه من حيث اتصافه بالأخص، وهو الرسالة من باب أحرى.