قال الزمخشري فإن قلت: كيف يجمع بين قوله تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)، وبين قوله تعالى:(فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ)، ابن عرفة: وأجيب عن الأول إما بأنها مواطن نفي موطن كانت ثعبانا وهو في آخر الأمر، ومرة كالجان وذلك في أول الأمر والمثابة موطن واحد فشبهها بالثعبان في عظم جرمها وبالجان في سرعة حركتها، وعن الثاني: إما بأنها آية مواطن، وإما بأن المراد لتسألهم سؤال تقريع.
قال ابن عرفة: الآية دالة على جواز تكليف ما لَا يطاق خلافا للمعتزلة إذ لو لم يكن جائزا عقلا لما احتيج إلى قوله تعالى: (لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) لأن التكليف بفعل الغير مما لَا يطاق؛ لأن الإنسان إنما يطيق فعل نفسه أما فعل غيره فلا يطيقه فلا يحتاج إلى نفي التكليف به شرعا لأنه منفي عقلا.
قوله تعالى:(وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا).
هذه أفعل من يقتضي المشاركة بالفعل، فأما إن أريد الشدة المعلومة في أصول الدين فالشركة منتفية، وإن أريد الإشراك العادي المشاهد لنا فالشركة حاصلة تامة وتقدم البؤس من تقديم السبب على المسبب؛ لأنه إذا حصل البأس حصل النكال.
قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ... (٨٦)} .. قال أبو حيان: حملها أبو حنيفة على الهدية وهو أن الإنسان إما أن يرد الهدية بعينها، أو يرد ما هو أحسن منها، وإما رده مثلها سواء فإنه لم يردها بعينها، قال ابن العربي: وحكى القاضي عبد الوهاب أنه إذا علته جماعة فإن كان فيهم من يعرفه وجب عليه الرد لئلا يقع في نفوسهم منه عداوة، وإن لم يكن فيهم من يعرف فالرد سنة على الكفاية.
قيل لابن عرفة: وحكى أيضا القاضي عبد الوهاب في التلقين وفي المعونة عن المذهب، أنه إذا قال البادئ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أن المراد أن يختصر، ويقول: وعليك، وأنكره ابن عرفة وقال: ظاهر كلام ابن رشد، والباجي، وغيرهما أن يرد عليه مثل ما قال سواء من غير اختصار.